للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وابن جرير، وغيرهم: يستحق القاتل سلب القتيل في جميع الحروب، سواءٌ قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلًا فله سلبه، أم لم يقل ذلك؛ قالوا: وهذه فتوى من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخبار عن حكم الشرع، فلا يتوقف على قول أحد.

وقال أبو حنيفة، ومالك، ومن تابعهما: لا يستحق القاتل بمجرد القتل سلب القتيل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة، إلا أن يقول الأمير قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه؛ وحملوا الحديث على هذا، وجعلوا هذا إطلاقًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس بفتوى وإخبار عام؛ وهذا الذي قالوه ضعيف لأنه صرح في هذا الحديث بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا بعد الفراغ من القتال واجتماع الغنائم، والله أعلم.

ثم إن الشافعي - رضي الله عنه - يشترط في استحقاقه أن يغزو بنفسه في قتل كافر ممتنع في حال القتال، والأصح أن القاتل لو كان مِمَّن له رضخ، ولا سهم له كالمرأة والصبي والعبد، استحق السلب.

وقال مالك - رضي الله عنه - لا يستحقه إلا المقاتل. وقال الأوزاعي والشاميون: لا يستحق السلب إلا في قتيل قتله قبل التحام الحرب، فأما من قتل في التحام الحرب فلا يستحقه.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ»: ففيه تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي، والليث، ومن وافقهما، أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة بأنَّه قتله، ولا يقبل قوله بغير بينة؛ وقال مالك، والأوزاعي: يعطى بقوله، بلا بينة؛ قالا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه السلب في هذا الحديث بقول واحد ولم يحلفه، والجواب: أن هذا محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنه القاتل بطريق من الطرق، وقد صرح - صلى الله عليه وسلم - بالبينة فلا تُلْغَى؛ وقد يقول المالكي: هذا مفهوم وليس هو بحجة عنده، فهذا الذي قدمناه هو المعتمد في دليل الشافعي. (١)

* * *


(١) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مُسلم" (١٢/ ٥٧)، و"فتح الباري" (٦/ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>