للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَسَائِلِهِ، وَاعْتَنَى بِهِ المُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ في كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَأَفْرَدَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَسْأَلَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا وَحَقَّقَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً مِنْ أَحْكَامِهَا، وَقَدْ اخْتَصَرْت أَنَا مَقَاصِدَهُ فِي كَرَارِيسَ. ا. هـ (١)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَإِنَّ مَسَائِلَ الِاسْتِحَاضَةِ مِنْ أَشْكَلِ أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ. (٢)

ومن المسائل المتعلقة بالمستحاضة مسألة غُسل المُستحاضة، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على سبعة أقوال؛ وسبب اختلافهم هو اختلاف ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك، أو ضعف بعضها.

وقبل ذِكر مُجمل هذه الأقوال لا بد أنْ نعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب الغسل على المستحاضة عند انقضاء زمن الحيض، وإن كان الدم جاريًا، وهذا أمرٌ مُجمعٌ عليه لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش السابق ذكره؛ قال النووي في "شرح مسلم": فيه دليلٌ على وجوب الغُسل على المستحاضة إذا انقضى زمن الحيض وإن كان الدم جاريًا، وهذا مُجمعٌ عليه. ا. هـ.

ومجمل أقوالهم - فهذه المسألة مبسوطة في كتب الشروح والفقه-، كالآتي:

١) أنها تغتسل كل يوم مرة في أي وقت شاءت من النهار.

٢) أنها تؤخر الظهر، وتغتسل له وللعصر غُسلًا واحدًا، وتؤخر المغرب وتغتسل له وللعشاء غُسلًا واحدًا، وتجمع الصلاتيْن في الوقتيْن، وتغتسل للصبح غُسلًا مستقلًا.

٣) أنَّ الغسل واجبٌ لكل صلاة.

٤) أن الغسل لكل صلاة خاص بالتي لا تعرف عادتها، ولا تميِّز دم الحيض من الاستحاضة.

٥) وذهب الجمهور، ومالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد إلى أنها تغتسل غُسلًا واحدًا عند انقضاء وقت حيْضها، وضعَّفوا الأحاديث التي أخرجها أصحاب السنن، وقالوا: أنَّها خلاف الحديث الذي في "الصحيحيْن".

٦) الغسل لكل صلاة مستحب وليس واجب، وبهذا يَجمع بين الأدلة.

قال ابن قُدامة في "المغني": وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ مُسْتَحَبُّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَفْضَلُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْأَخْذِ بِالثِّقَةِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ أَشَدُّ مَا قِيلَ، ثُمَّ يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ وَالْمَشَقَّةِ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَالِاغْتِسَالُ لِلصُّبْحِ، ثُمَّ يَلِيهِ الْغُسْلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً بَعْدَ الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَيْضِ، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَهُوَ أَقَلُّ الْأُمُورِ وَيُجْزِئُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (٣)

* * *


(١) يُنظر: "المجموع شرح المهذب" (٢/ ٣٤٤).
(٢) يُنظر: "القواعد النورانية" (ص/٣٨).
(٣) ومَنْ رام المزيد، فليُراجع: "فتح الباري" لابن رجب ٢/ ٥١ و ٢/ ١٦٥ - ١٧٠، "المنهاج شرح صحيح مسلم" ٤/ ١٧، "فتح الباري" لابن حجر ١/ ٤٠٩ و ٤٢٧، "نيل الأوطار" ١/ ٣٠٢، "بداية المجتهد" ١/ ٦٥، "المغني" لابن قدامة ١/ ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>