للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (١) حيث جاء الأمر في الآية بالاستئناس ثم إلقاء السلام؛ والجواب عن هذا بعدة أوجه:

_ قال المناوي: يُحمل الحديث على الفضاء فيسلّم أولًا ثم يتكلم، وأما في البيوت فيستأذن فإذا دخل سلَّم للآية، حيث أمر بالاستئذان قبل السلام. (٢)

_ وقال النووي: أَجْمَعَ العلماء على أنَّ الاستئذان مشروع، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة، وإجماع الأمة، والسنة: أن يسلّم ويستأذن ثلاثًا فيجمع بين السلام والاستئذان، كما صرَّح به في القرآن، واختلفوا في أنه هل يُستحب تقديم السلام ثم الاستئذان؛ أو تقديم الاستئذان ثم السلام؟ والصحيح الذي جاءت به السنة وذكره المحققون: أنه يقدم السلام، فيقول: السلام عليكم، أدخل؟ والثاني يقدم الاستئذان، وقيل غير ذلك. (٣)

قال الشيخ/ محمد الشنقيطي: الصواب أنَّ ما صَحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُقدَّمٌ على غيره في تقديم السَّلام على الاستئذان ولا ينبغي العدول عنه، ويُجاب عن الآية الكريمة أنَّ العطف بالواو في قوله تعالى: " حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا " لا يقتضي الترتيب وإنما يقتضي مطلق التشريك، فيجوز عطف الأول على الأخير بالواو، كقوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (٤) والركوع قبل السجود، وهذا معروف، ولا ينافي بما ذكر أنَّ الواو في العطف ربما تأتي للترتيب؛ كقوله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} وذلك لأن الواو عند التجرد من القرائن والأدلة الخارجية لا تقتضي إلا مطلق التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا ينافي ذلك إن قام دليل على إرادة الترتيب في العطف، والآية التي نحن بصددها لم يقم دليلٌ راجحٌ ولا قرينة على إرادة الترتيب فيها بالواو. (٥)

قلتُ: وخير ما نفسّر به القرآن الكريم هو السنة؛ ودلَّت السنة على تقديم السلام على الاستئذان، ولا بأس بالجمع بينهما، لقوله: "السلام عليكم، أأدخل؟، والله أعلم. (٦)

* * *


(١) سورة "النور" آية (٢٧).
(٢) يُنظر: "فيض القدير" (٦/ ٩٤).
(٣) يُنظر "شرح النووي على مسلم" (١٤/ ١٣٠).
(٤) سورة "آل عمران" آية (٤٣).
(٥) يُنظر: "أضواء البيان" (٦/ ١٩٥).
(٦) يُنظر: "تفسير القرطبي" (١٢/ ٢١٣)، "تفسير ابن كثير" (٦/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>