للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادسًا:- التعليق على الحديث:

قال ابن رجب: الحديث ظاهرٌ في وجوب شهود الجماعة في المساجد، وإجابة المنادي بالصلاة؛ فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أخْبَرَ أَنَّهُ هَمَّ بتحريق بيوت المتخلفين عَن الجماعة، ومثل هذه العقوبة الشديدة لا تكون إلا عَلَى تَرْكِ واجبٍ. (١)

وقال ابن حجر: وفيه الإشارةُ إلى ذَمِّ المُتَخَلِّفِينَ عن الصَّلَاةِ بوصفهم بالحرص على الشَّيء الحقير مِنْ مطعوم أو مَلْعُوبٍ به مع التَّفْرِيطِ فيما يُحَصِّلُ رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ وَمَنَازِلَ الكَرَامَةِ، وفي الحديث مِنَ الفَوَائِدِ أَيْضًا تَقْدِيمُ الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ على العُقُوبَةِ، وَسِرُّهُ: أَنَّ المَفْسَدَةَ إذا ارتَفَعَتْ بالأَهْوَنِ مِنَ الزَّجْرِ اكتُفِيَ به عن الأَعْلَى مِنَ العُقُوبَةِ، نَبَّهَ عليه ابن دقيقِ العِيدِ، وفيه جَوَازُ العُقُوبَةِ بالمال، كذا اسْتَدَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ القَائِلِينَ بذلك مِنَ المالكيَّة وغيرهم، وفيه نَظَرٌ، ولاحْتِمَالِ أنَّ التَّحْرِيقَ مِنْ بَابِ ما لا يَتِمُّ الوَاجِبُ إلا به إذ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاعِثَ على ذلك أَنَّهُمْ كانوا يَخْتَفُونَ في بُيُوتِهِم فلا يُتَوَصَّلُ إلى عُقُوبَتِهِم إلا بِتَحْرِيقِهَا عَلَيْهِمْ، وفيه جَوَازُ أَخْذِ أَهْلِ الجَرَائِمِ على غِرَّةٍ؛ لأنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - هَمَّ بِذَلِكَ في الوَقْتِ الَّذِي عُهِدَ مِنْهُ فِيهِ الاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْغَتَهُمْ في الْوَقْتِ الذي يَتَحَقَّقُونَ أنَّه لا يَطْرُقُهُمْ فيه أَحَدٌ، وفي السِّيَاقِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ زَجْرُهُمْ عَنِ التَّخَلُّفِ بِالْقَوْلِ حَتَّى اسْتَحَقُّوا التَّهْدِيدَ بِالْفِعْلِ. (٢)

* * *


(١) يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (٥/ ٤٥٣، ٤٥٤).
(٢) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (٢/ ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>