للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلَائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ». (١)

• وفي الباب أيضًا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، وهو مُخرّجٌ في "الصحيحين"، قَالَ: " أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ". (٢)

• ويشهد لكونها الآن في الجنة في هذا البيت الذي بُشِّرت به؛ عموم الأدلة الدَّالة على أنَّ أرواح المؤمنين بعد الوفاة تكون في الجنة، من ذلك:

- قول الله - سبحانه وتعالى -: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ … الآية} (٣)، فهذا في الكافرين وبمفهوم المخالفة يدل على أنَّ أرواح المؤمنين في الجنة. (٤)

- وقال تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (٥)، قال ابن رجب في "تفسيره" (٦): وإنما قال ذلك بعد أن قتلوه ورأى ما أعدَّ الله له. وقال القرطبي: والظاهر من الآية أنه لما قُتِل قِيل له ادخل الجنة، قال قتادة: أَدْخَلَه الله الجنة وهو فيها حيٌّ يُرْزَق. (٧)

- وأخرج الإمام أبو بكر الآجري في "الشريعة" من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: سُئِلَ عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ؟ فَقَالَ: «أَبْصَرْتُهَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فِي بَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لا لَغْوَ فِيهِ ولا نَصَبَ». (٨)


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣٨١٦)، وبرقم (٣٨١٧) ك/مناقب الأنصار، ب/ تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة وفضلها، وبرقم (٥٢٢٩) ك/النكاح، ب/غيرة النساء وَوَجْدِهِنَّ، وبرقم (٦٠٠٤) ك/الأدب، ب/حسن العهد من الإيمان. ومسلمٌ في "صحيحه" (٢٤٣٤، ٢٤٣٥) ك/فضائل الصحابة، ب/ فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.
(٢) أخرجه البخاري (٣٨٢٠) ك/مناقب الأنصار، ب/ تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة وفضلها، وبرقم (٧٤٩٧) ك/التوحيد، ب/قول الله تعالى: "يريدون أن يبدلوا كلام الله". ومسلمٌ (٣٤٣٢) ك/فضائل الصحابة، ب/ فضائل خديجة أم المؤمنين.
(٣) سورة "غافر" آية (٤٦).
(٤) يُنظر: "تفسير الطبري" (٢١/ ٣٩٦)، "تفسير القرطبي" (١٥/ ٣١٨)، "تفسير ابن كثير" (٧/ ١٤٧).
(٥) سورة "يس" آية (٢٦ - ٢٧).
(٦) يُنظر: "تفسير ابن رجب" (١/ ٢٤٨).
(٧) يُنظر: "تفسير القرطبي" (١٥/ ٢٠).
(٨) أخرجه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (٢٠٤٧) - مطوَّلًا-، والآجري في "الشريعة" (١٦٨٦)، والطبراني في "الأوسط" (٨١٥٣) - وقال: لم يروه عن الشعبي إلا خالد، تفرَّد به إسماعيل بن مجالد-، وتمَّام في "فوائده"- كما في "الروض البسَّام" (١٥١٩) -، وابن عدي في "الكامل" (١/ ٥١٩) - وقال: لم يحدّث به عن مجالد غير ابنه إسماعيل، وإسماعيل هذا قد حدَّث عنه ابن معين، ووثَّقه، وهو خيرٌ من أبيه مجالد يُكتَب حديثه-، كلهم من طريق إسماعيل بن مجالد.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (٢٣/ ٨/٦) بسندٍ صحيحٍ من طريق يحيى بن سعيد الأموي. كلاهما (إسماعيل، ويحيى) عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، به. وفي رواية الطبراني في "الكبير" بلفظ: "رَأَيتُها على نهرٍ من أنهار الجنَّة … ". قلتُ: ويحيى بن سعيد "ثقة" وقد تابع إسماعيل بن مجالد، فلم ينفرد به إسماعيل كما قال الطبراني، وابن عدي.
قلتُ: ومجالد "ضعيف"، وقد أخرج له مسلم مقرونًا بغيره، لكن لروايته عن جابر خصوصية، فقد قال ابن عدي في "الكامل" (٨/ ١٧١): ومجالدٌ لَهُ عن الشعبي عن جَابِر أحاديث صالحة، وعن غير جَابِر من الصحابة أحاديث صالحة، وجُملة ما يرويه عن الشعبي، ولكن أكثر روايته عَنْهُ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٩/ ٢٢٣): رواه الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" باختصار، ورجالهما رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد، وقد وُثِّق وخاصة في أحاديث جابر. وقال (٩/ ٤١٦): وهذا مما مُدِحَ من حديث مجالد. وقال الألباني في "الصحيحة" (٣٦٠٨): لعله يتقوَّى بحديث البخاري ومسلم لشموله وعموم معناه - يقصد ما ذكرناه من الشواهد عند البخاري ومسلم- فله - سبحانه وتعالى - الحمد والمنَّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>