للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يُبَشِّرَ خديجة ببيتٍ في الجنة من قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَب. قال أهل العلم: والمُراد بهذا البيت هو بيتٌ زائدٌ على ما أَعَدَّ الله لها من ثوابِ عملها؛ ولهذا قال "لا نَصَبَ فيه"؛ أي: لم تتعب بسببه.

- وقال السهيلي: لِذِكْرِ البيت معنى لطيف؛ لأنها كانت ربةُ بيتٍ قبل المبعث، ثم صارت ربة بيتٍ في الإسلام منفردة به، فلم يكن على وجه الأرض في أول يومٍ بُعِث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيتُ إسلامٍ إلا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضًا غيرها. قال: وجزاء الفعل بذكر الفعل غالبًا بلفظه، وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر.

- وقال الحافظ ابن حجر: وفي البيت معنى آخر لأن مرجع أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها لما ثبت في تفسير قوله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} (١)، قالت أمُّ سَلَمَة: لَمَّا نَزَلَت دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة وعليًا والحَسَن والحُسين فجللهم بكِساءٍ؛ فقال: "اللهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي" (٢)، ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة، لأن الحسنين من فاطمة، وفاطمة ابنتها، وعلي نَشَأَ في بيتِ خديجة وهو صغيرٌ، ثم تزوَّجَ ابنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها.

- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قَصَبٍ"؛ قال ابن التين: المُراد به لؤلؤة مُجَوفة واسعة كالقصر المنيف، ثم ذكر رواية الطبراني في "الأوسط"، وهي رواية الباب. قال السهيلي: والنكتة في قوله "من قَصَبٍ"، ولم يقل "من لؤلؤٍ" أنَّ في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها.

- وقال السهيلي: ومناسبة نفي الصفتين - من قوله: "لا صَخب فيه ولا نَصَب": أنّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا دعا إلى الإسلام أجابت خديجة طَوْعًا فلم تحوجه إلى رفع صوتٍ، ولا منازعةٍ، ولا تعبٍ في ذلك، بل أزالت عنه كل نصب، وآنَسَتْه من كل وَحشة، وهَوَّنَت عليه كل عسير، فناسب أن يكون منزلها الذي بشَّرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها. (٣)

* * *


(١) سورة "الأحزاب" آية (٣٣).
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٦٩٨٨) بإسنادٍ حسنٍ، والحديث صحيح.
(٣) يُنظر في شرح الحديث: "فتح الباري" (٧/ ١٣٨)، "عمدة القاري" (١٦/ ٢٧٩)، "شرح النووي على مسلم" (٤/ ١٨٨٧)، "عارضة الأحوذي" (١٤/ ٢٥٢)، "الروض الأنف" (١/ ٢٧٨ - ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>