للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكبرى": والذين قالوا "فأتموا" أكثر وأحفظ، وألزم لأبي هريرة - رضي الله عنه - فهو أَوْلى، والله أعلم. (١)

بينما قال ابن الجوزي: وَقَوله: " فَأتمُّوا " أَكثر الروَاة هَكَذَا رووا " فَأتمُّوا " مِنْهُم ابْن مَسْعُود، وأبو قَتَادَة، وأنس، وَأكْثر طرق أبي هُرَيْرَة " فَأتمُّوا " فَإِن الزبيدِيّ وَابْن أبي ذِئْب وَإِبْرَاهِيم بن سعد وَمعمر، كلهم رَوَوْهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، فَقَالُوا: " فَأتمُّوا وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ: فَفِي رِوَايَة عَنهُ كَمَا ذكرنَا، وَفِي رِوَايَة أبي الْيَمَان عَنهُ " فاقضوا وَفِي رِوَايَةٍ عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: " فاقضوا "، وَكَذَلِكَ روى ابْن سِيرِين وَأَبُو رَافع عَن أبي هُرَيْرَة؛ وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا يُدْرِكهُ الْمَأْمُوم من صَلَاة الإِمَام، فَقَالَ قوم: هُوَ أول صلَاته، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَعَطَاء وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ آخر صلَاته، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَابْن سِيرِين وَالثَّوْري وَأَصْحَاب الرَّأْي وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، وَالَّذِي نختاره أَنه آخر صلَاته، وَهُوَ الْأَشْبَه بمذهبنا وَمذهب أبي حنيفَة؛ لِأَن صَلَاة الْمَأْمُوم مرتبطة بِصَلَاة الإِمَام، فَيُحْمَل قَوْله: " فَأتمُّوا " على أَن من قضى مَا فَاتَهُ فقد أتمَّ، لأنَّ الصَّلَاة تنقص بِمَا فَاتَ، فقضاؤه إتْمَام لما نقص. (٢)

وجمع بين اللفظين ابن عبد الهادي، فقال: والتَّحقيق أنَّه ليس بين اللفظين فرقٌ، فإنَّ القضاء هو الإتمام في عرف الشَّارع، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (٣)، وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} (٤). (٥)

وقال الحافظ ابن حجر: والحاصلُ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ وَرَدَ بِلَفْظِ: "فَأَتِمُّوا وَأَقَلُّهَا بِلَفْظِ: "فَاقْضُوا"، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ إِذا جعلنَا بَين الإتمام والقَضَاءِ مُغَايَرَةً، لَكِنْ إِذَا كَانَ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظِةٍ مِنْهُ، وَأَمْكَنَ رَدُّ الِاخْتِلَافِ إلى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى، وَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ القَضَاءَ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْفَائِتِ غَالِبًا لَكِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْأَدَاءِ أَيْضًا، وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} (٦)، وَيَرِدُ بِمَعَانٍ أُخَرَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: "فَاقْضُوا" عَلَى مَعْنَى الْأَدَاءِ أَوِ الْفَرَاغِ فَلَا يُغَايِرُ قَوْلَهُ: "فَأَتِمُّوا". (٧)


(١) يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٢/ ٤٢٤).
(٢) يُنظر: "كشف المُشكل من حديث الصحيحين" (٢/ ١٤٠).
(٣) سورة "البقرة"، الآية (٢٠٠).
(٤) سورة "الجمعة"، الآية (١٠).
(٥) يُنظر: "تنقيح التنقيح" (٢/ ٥٠٨).
(٦) سورة "الجمعة"، الآية (١٠).
(٧) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (٢/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>