للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويبقى الحديث على ضَعفه، وهذا هو ما قرَّره الأئمة الأجلاء:

فقال العُقيلي: وأمَّا حديثُ عَامِرِ بن رَبِيعَة فليس يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مَتْنُهُ. (١)

وقال البيهقي: ولم نَعْلَمْ لهذا الحديث إِسْنَادًا صَحِيحًا قَوِيًّا. (٢) وهذا الكلام نقله النووي، ولم يُنْكره. (٣)

والحديث مع ضعف رواته، فهو مخالفٌ لما صَحَّ وثبت في سبب نزول قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (٤)، فأخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه" (٧٠٠/ ٣،٤)، ك/الصلاة، ب/جواز صلاة النَّافِلَةِ على الدَّابَّةِ في السَّفَر حيث تَوَجَّهَتْ، مِنْ طُرُقٍ عن عَبْدِ المَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ، قال: حدَّثنا سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عُمَرَ، قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: … {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، وفي بعض الروايات: ثُمَّ تَلا ابْنُ عُمَرَ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

وسُئل أبو حاتم عن حديث الباب - حديث عامر بن ربيعة -، وعن حديث ابن عُمر هذا، فقال:

إنَّ حَدِيث ابن عُمَرَ أصَحُّ من حَدِيث أَبِي الربيع السَّمَّان. (٥)

وهذا هو ما أشار إليه البيهقيُّ - بعد أن ضَعف الحديث برواية الباب، وبشواهده -، فقال: وصَحَّ عن عَبْدِ المَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ العَرْزَمِيِّ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ بن الخَطَّابِ أنَّ الآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ في التَّطَوُّعِ خاصَّةً حيث تَوَجَّهَ بِكَ بَعِيرُكَ. (٦)

• هذا والحديث حسَّنَه الشيخ/أحمد شاكر - رحمه الله - في تعليقه على "سنن الترمذي"، فقال - بعد أن خَرَّج الحديث -: وبذلك يظهر أنَّ الحديث معروفٌ مِنْ غير حديث أشعث، ولعَلَّ الترمذي لم يَطَّلِع على رواية عَمرو بن قيس، وأشعث السَّمَّان إنَّما تُكُلِّم فيه مِنْ قبل حفظه، وهو صدوقٌ، والحديث حسن الإسناد؛ لأنَّ عاصم بن عُبيد الله ضَعَّفوه مِنْ قبل حفظه، وقد روى عنه مالك، وشعبة مع تشدُّدهما في الرجال، ثُمَّ خَرَّج الحديث عن جابر بن عبد الله، وضَعَّفه، وقال: فَعُلم مِنْه أنَّ للواقعة أصلاً مَعْروفاً.

قلتُ: وهذا الكلام لا يخلو مِنْ نظر - كما لا يخفى، وهو واضحٌ مِنْ خلال ما سبق بيانه -:

فالمُتابع لأشعث بن سعيد هو: عُمر بن قيس المكيّ المعروف بِسَنْدل، وهو "متروك الحديث"، وليس هو عَمرو بن قيس الملائيّ "الثقة"، كما ظن الشيخ/شاكر - رحمه الله -، وأشعث السَّمَّان ليس بصدوقٍ، بل هو "متروك الحديث" - كما سبق بيانه في دراسة الإسناد -.


(١) يُنظر: "الضعفاء الكبير" (١/ ٣١).
(٢) يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٢/ ١٩).
(٣) يُنظر: "المجموع شرح المهذب" (٣/ ٢٤٤).
(٤) سورة "البقرة"، آية (١١٥).
(٥) يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (٢/ ٤٣/مسألة ٢٠٢).
(٦) يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٢/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>