للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَنَعْلِي (١) عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِيَ الأُفُقَ. فَلَمَّا نِمْتُ سَاعَةً انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلا نِمْتُ، حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الأَوَّلُ.

فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يَا بِلالُ! أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ.

فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ مُنَاخَاتٌ، عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ.

فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَأْذَنْتُ.

فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَائِكَ». فَحَمِدْتُ اللَّهَ.

فَقَالَ: «أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الأَرْبَعِ؟» قُلْتُ: بَلَى.

فَقَالَ: «إِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً، وَطَعَامًا (٢) أَهْدَاهُ إِلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ (٣)، فَاقْبِضْهُنَّ، ثُمَّ اقْضِ دَيْنَكَ».

فَفَعَلْتُ، فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ أَحْمَالَهُنَّ، ثُمَّ عَلَفْتُهُنَّ، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلاةِ الصُّبْحِ. حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ إِصْبَعِي فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِدَيْنٍ فَلْيَحْضُرْ.

فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِيَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دِينٌ فِي الأَرْضِ، حَتَّى فَضَلَ فِي يَدَيَّ أُوقِيَّتَيْنِ (٤)، أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ.

ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ (٥) النَّهَارِ، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ.


(١) كذلك بالأصل، وفي "المعجم الكبير"، و"الأحاديث الطوال": " … فَجَعَلْتُ سَيْفِي، وَجِرَابِي، وَمِجَنِّي، وَنَعْلِي … "، وفي "الشاميِّين": " … فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَرُمْحِي وَنَعْلِي … ".
(٢) في الأصل: "طعام"، والصواب ما أثبتُه، والتصويب من "الأحاديث الطوال" (٤٩)، ومن بعض مصادر تخريج الحديث.
(٣) بفتح أوّله وثانِيه، قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وبينها وبين خيبر يومان؛ أفاءها الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلاث، واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتسمى اليوم: «الحائط». ولها في الحديث والسيرة قصة يطول ذكرها. يُنظر: "معجم ما استعجم من أسماء البلاد" (٣/ ١٠١٦)."معجم البلدان" (٤/ ٢٣٨). "المعالم الأثيرة في السنة والسيرة" محمد شُرَّاب (١/ ٢١٥). "معجم المعالم الجغرافية في السيرة" (ص/ ٢٣٥). "أطلس الحديث النبوي" (ص/٢٩٢). ويُنظر: "صحيح البخاري" ك/فَرْضِ الخُمُسِ، أحاديث رقم (٣٠٩١، ٣٠٩٢، ٣٠٩٣). "صحيح مسلم" ك/الجِهَادِ وَالسِّيَرِ، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ»، (١٧٥٨، ١٧٥٩).
(٤) هو كذلك بالأصل " أُوقِيَّتَيْنِ"، وفي "الكبير"، و"مسند الشاميين"، وبقية مصادر التخريج: " أُوقِيَّتَانِ".
(٥) في الأصل: كلمة "عامة" مُكررة.

<<  <  ج: ص:  >  >>