للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْأَرْضِ، وَمَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنِ المُلْك والتصرّف كله إلا الله - سبحانه وتعالى -، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَتُشْرِكُونَ بِهِ؟ مَنْ أَرْشَدَكُمْ إِلَى هَذَا؟ مَنْ دَعَاكُمْ إِلَيْهِ؟ أَهْوَ أَمَرَكُمْ بِهِ؟ أَمْ هُوَ شَيْءٌ اقْتَرَحْتُمُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ؟ وَلِهَذَا قَالَ: {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} أَيْ: هَاتُوا كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاء يَأْمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ، {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أَيْ: دَلِيلٍ بَيِّن عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ الَّذِي سَلَكْتُمُوهُ {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ: لَا دَلِيلَ لَكُمْ نَقْلِيًّا وَلَا عَقْلِيًّا عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَرَأَ آخَرُونَ: "أَوْ أثَرَة مِنْ عِلْمٍ"؛ أَيْ: أَوْ عِلْمٍ صَحِيحٍ يَأْثُرُونَهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أَوْ أحد يأثُر علما.

وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ بَيِّنَةٍ مِنَ الْأَمْرِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ أثَرَة مِنْ عِلْمٍ" قَالَ: "الْخَطُّ". وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: أَوْ بَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {أَوْ أَثَارَةٍ} شَيْءٌ يَسْتَخْرِجُهُ فَيُثِيرُهُ. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ أَيْضًا: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} يَعْنِي الْخَطَّ. وقَالَ قَتَادَةُ: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} خَاصَّةٍ مِنْ عِلْمٍ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةٌ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَهُ، وَأَحْسَنَ مَثْوَاهُ. (١)

- وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": قَالَ الطَّبَرِيُّ: قَرَأَ الْجُمْهُورُ "أَوْ أَثَارَةٌ" بِالْأَلِفِ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ "أَوْ أَثَرَةٌ" بِمَعْنَى أَوْ خَاصَّةٌ مِنْ عِلْمٍ أُوتِيتُمُوهُ وَأُوثِرْتُمْ بِهِ عَلَى غَيْرِكُمْ. قُلْتُ: وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَة. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: "أَوْ أَثَرَةٌ مِنْ عِلْمٍ" قَالَ: أَثَرَةٌ شَيْءٌ يَسْتَخْرِجُهُ فَيُثِيرُهُ.

- قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: "أوْ" خَاصَّةٌ مِنْ عِلْمٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أبي سَلمَة، عَن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطٌّ كَانَتْ تَخُطُّهُ الْعَرَبُ فِي الْأَرْضِ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَيُرْوَى عَنِ ابن عَبَّاسٍ: جَوْدَةُ الْخَطِّ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، وَحَمَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْخَطَّ هُنَا عَلَى الْمَكْتُوبِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي تَجْوِيدِ الْخَطِّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ عَلَى مَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فَالْأَمْرُ فِيهِ لَيْسَ هُوَ لإباحته. (٢)

وقال أيضًا: وَمُحَصَّلُ مَا ذَكَرُوهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ؛ أَحَدُهَا: الْبَقِيَّةُ وَأَصْلُهُ أَثَرْتُ الشَّيْءَ أُثِيرُهُ إِثَارَةً كَأَنَّهَا بَقِيَّةٌ تُسْتَخْرَجُ فَتُثَارُ، الثَّانِي: مِنَ الْأَثَرِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ، الثَّالِثُ: مِنَ الْأَثَرِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ. (٣)

* * *


(١) يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير ٧/ ٢٤٧ - ٢٧٥.
(٢) يُنظر: "فتح الباري" ٨/ ٥٧٥ - ٥٧٦.
(٣) يُنظر: "فتح الباري" ١١/ ٥٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>