للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ بَعْدَ خَبَرِ طَلْقِ بن علي بسبع سنين. (١)

بينما ذهب آخرون إلى تصحيح حديث طلق بن عليّ - رضي الله عنه - والعمل به، وتضعيف حديث بُسْرة للخلاف فيه على عُروة - رضي الله عنه -؛ فذهب الطحاوي إلى تضعيف حديث بُسْرة، والعمل بحديث طلق بن علي، فقال بعد أن أخرج حديث طلق: فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ، غَيْرُ مُضْطَرِبٍ فِي إِسْنَادِهِ، وَلَا فِي مَتْنِهِ، فَهُوَ أَوْلَى عِنْدَنَا مِمَّا رَوَيْنَاهُ أَوَّلًا مِنَ الْآثَارِ الْمُضْطَرِبَةِ فِي أَسَانِيدِهَا؛ وأسند عن علي بن المديني: حَدِيثُ طلقٍ هَذَا، أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ. ثُمَّ قال: فَإِنْ كَانَ هَذَا الْبَابُ يُؤْخَذُ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ وَاسْتِقَامَتِهِ، فَحَدِيثُ طلقٍ هَذَا أَحْسَنُ إِسْنَادًا. وَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، فَإِنَّا رَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ، أَوْ بِذِرَاعَيْهِ، لَمْ يَجِبْ فِي ذَلِكَ وُضُوءٌ … ثُمَّ أسند عن الحسن أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءًا، ثُمَّ قال: فَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى. (٢)

قلتُ: وأولى مِنْ هذا وذاك بعد ثبوت صحة الحديثين هو الجمع بينهما؛ وذلك بحمل الأمر في حديث بُسْرة على الاستحباب والندب، لوجود الصارف في حديث طلق بن علي، فابن خزيمة أخرج حديث بُسْرَة في "صحيحه" برقم (٣٣)، وترجم لها بقوله: ب/اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، ثُمَّ أسند عَنْ مَالِكٍ أنَّه قَالَ: «أَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذِّكْرِ اسْتِحْبَابًا وَلَا أُوجِبُهُ»، وروى عن عَلِيّ بن سَعِيدٍ النَّسَوِيّ، أنَّه قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَقَالَ: «أَسْتَحِبُّهُ وَلَا أُوجِبُهُ»، وقال ابن خزيمة: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى يَقُولُ: «نَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ اسْتِحْبَابًا لَا إِيجَابًا» بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ اتِّبَاعًا بِخَبَرِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ لَا قِيَاسًا، قَالَ: وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَقُولُ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ قَدْ سَمِعَ خَبَرَ بُسْرَةَ مِنْهَا لَا كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْخَبَرَ وَاهٍ لِطَعْنِهِ فِي مَرْوَانَ». (٣)

* * *


(١) يُنظر: "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبَّان" (٣/ ٤٠٥).
(٢) يُنظر: "شرح معاني الآثار" (١/ ٧٦ - ٧٩).
(٣) وللمزيد يُنظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (١/ ٧١ وما بعدها)، "ناسخ الحديث ومنسوخه" لأبي حفص ابن شاهين (ص/٩٧ وما بعدها)، "الاعتبار في "الناسخ والمنسوخ" للحازمي (ص/٣٩ وما بعدها)، "نصب الراية" (١/ ٦٣)، "التلخيص الحبير" (١/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>