للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والريح - عذر في التأخير عن الجماعة، ونقل ابن بطال فيه الإجماع. (١)

- فإذا وُجِدت العلتان، أو أحدهما، يُستحب للمُؤذن أنْ يُنادي في آذانه، ويقول: "صلوا في رحالكم"، أو "صلوا في بيوتكم"، أو نحو ذلك؛ لكنَّ السؤال: هل يقول ذلك أثناء الآذان، أم بَعْده؟

والجواب: لقد اختلفت الروايات في ذلك، فصريح رواية الباب أنَّه يُتْبع الآذان بقوله هذا، بينما في حديث ابن عبَّاس - والذي سبق ذكره في الشواهد -، يدلُّ على أنَّ قوله هذا يكون بدلاً مِن الحيعلتين، فإذا انتهى من الشهادتين لم يقل: "حي على الصلاة"، وإنَّما يقول: "صلوا في رحالكم"؛ واختلف العلماء في توجيه ذلك:

فقال القرطبي: يُحْتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه؛ جمعا بينه وبين حديث ابن عبَّاس.

بينما ذهب ابن خُزيمة إلى حمل حديث ابن عبَّاس على ظاهره، وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة، نظرًا إلى المعنى؛ لأن معنى "حي على الصلاة": هلموا إليها، ومعنى "الصلاة في الرحال": تأخروا عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر.

وبعد أنْ ذكر الحافظ ابن حجر القولين السابقين، قال: ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذُكر؛ بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله". (٢) (٣)

- وأخيرًا: هل الأمر في قوله "صلوا في رحالكم"، للوجوب، أم للنَّدب؟

قال ابن خُزيمة: لَوْ حُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ شُهُودُ الْجَمَاعَةِ فِي اللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ وَالبَارِدَةِ مَعْصِيَةً، إِذِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ (٤) - وبمثل هذا قاله ابن حبَّان (٥) -.

ثمَّ قال: لكن جاء في بعض الأخبار ما يدل على حمل الأمر فيه على أمر الإباحة لا أمر العزم، وذكر الحديث عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَمُطِرْنَا، فَقَالَ: «لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ». (٦)

* * *


(١) يُنظر: "فتح الباري" (٢/ ١١٣).
(٢) سبق تخريجه عند ذكر الشواهد.
(٣) المصدر السابق.
(٤) يُنظر: "صحيح ابن خُزيمة" حديث رقم (١٦٥٥).
(٥) يُنظر: "صحيح ابن حبَّان" (٥/ ٤٣٧).
(٦) ومن رام المزيد، فليراجع: "فتح الباري" لابن رجب (٦/ ٨٣ - ٩٣)، "المنهاج شرح صحيح مسلم" (٥/ ٢٠٥ - ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>