للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معاً، فلا يَرث الكافرُ المُسلمَ، ولا يَرثُ المسلمُ الكافرَ.

قال الترمذي: العَمَلُ على هذا الحديث عند أهل العلم واخْتَلَف أهل العلم في مِيرَاثِ المُرْتَدِّ، فَجَعَلَ بعض أهل العلم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم المال لِوَرَثَتِهِ مِنَ المُسْلِمِين، وقال بعضهم: لا يَرِثُهُ ورَثَتُهُ مِنَ المُسْلِمِين، واحتجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، … ". وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (١)

وقال ابن المنذر: فعلى ظاهر هذا الحديث لا يَرِثُ المُرْتدَّ وَرَثَتُه مِن المُسْلِمين، ولا يَرِثُهم لأنَّه كافرٌ، ولكنَّ الإمام يأمر بقبض ماله ويضعه فِي بيت مال الفيء ليفرقه فيما يجب، وقال: وبهذا نقول. (٢)

وقال الخطيب البغدادي: بَابُ تَخْصِيصِ السُّنَنِ لِعُمُومِ مُحْكَمِ الْقُرْآنِ وَذِكْرُ الْحَاجَةِ فِي الْمُجْمَلِ إِلَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (٣)، فَكَانَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَالِدٍ يَرِثُ وَلَدَهُ، وَكُلَّ مَوْلُودٍ يَرِثُ وَالِدَهُ، حَتَّى جَاءَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنَ وَالْمَوْلُودِينَ، وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنَ التَّوَارُثِ، وَاسْتَقَرَّ الْعَمَلُ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ. (٤)

وقال البغوي: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد عَامَّة أهل الْعلم من الصَّحَابَة، فَمن بعدهمْ، أنَّ الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم، والمسلمَ لَا يرثُ الْكَافِر، لقطع الْولَايَة بنيهما، إِلا مَا رُوِيَ عَنْ مُعاذ، وَمُعَاوِيَة، قَالا: الْمُسلم يرثُ الْكَافِر، وَلَا يَرِثهُ الْكَافِر. (٥) وقال الحكيم الترمذي: هذا من أجل أن الميراث إنما يرثه باتصال الرحم، والكافر لا وصلة له؛ لأنه منقطع عن الله، ومن انقطع عن الله لم يتصل رحمه بشيء؛ لأن الرحم بدت وشق لها اسما من اسمه. فهذا المسلم إنما يستحق مال الميت باتصاله بميته، وإنما اتصل بميته لاتصاله برحمه، وإنما اتصل برحمه لاتصاله بالرحمن الذى بدت منه. فإذا انقطع عن الله فمتى يتصل؟! (٦) (٧)

* * *


(١) يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (٢١٠٧).
(٢) يُنظر: "الإقناع" (٢/ ٢٨٨ و ٥٨٦).
(٣) سورة "النِّساء"، آية (١١).
(٤) يُنظر: "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي (١/ ٧٣).
(٥) يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (٨/ ٣٦٤ - ٣٦٥).
(٦) يُنظر: "المنهيات" (ص/٦٠).
(٧) ومَن رام المزيد فليُراجع مأجوراً بإذن الله عزّ وجلّ: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (٣/ ٢٦٥ - ٢٦٨)، "المحلى" لابن حزم (٧/ ١٩٧ - ١٩٨)، "الاستذكار" لابن عبد البر (١٥/ ٤٩٠ - ٥٠٣)، "فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ٥٠ - ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>