وقال الإمام النووي: أجمع العلماء على قتل الكلب العقور، واختلفوا في قتل مالا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهي عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره، ويَسْتدل لما ذكره بحديث ابن المُغَفَّل (أي الذي أخرجه مسلم مِن طريق مُطَرِّف عن ابن المُغَفَّل، وقد سبق ذكره في التخريج).
وقال القاضي عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب إلا ما استثنى من كلب الصيد وغيره، قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه. قال واختلف القائلون بهذا: هل كلب الصيد ونحوه منسوخ من العموم الأول في الحكم بقتل الكلاب وأن القتل كان عاما في الجميع أم كان مخصوصا بما سوى ذلك؟ قال: وعندي أن النهي أولاً كان نهياً عاماً عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها، ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث ويكون حديث ابن المغفل مخصوصاً بما سوى الأسود، لأنه عام فيخص منه الأسود بالحديث الآخر. (١)
قلتُ: أي أنَّ حديث الباب مُقَيِّدٌ لعموم ما ورد في "صحيح مسلم مِن طريق مُطرف عن عبد الله بن المُغَفَّل، فالأمر بقتل الكلاب منسوخٌ بحديث الباب وغيره إلا ما استثناه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الكلب البهيم، ولا يجوز اقتناء الكلاب إلا ما استثناه النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن كلب صيدٍ أو غنمٍ أو زرعٍ أو ماشيةٍ، والله أعلم.
* * *
(١) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (١٠/ ٢٣٥ - ٢٣٦).