للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: "وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"، قال ابن حجر: اختلف العلماء في المراد منه، على أقوال: هل هو سؤال المال؟ أو السؤال عن المشكلات والمعضلات؟ أو أعم من ذلك؟ والأولى حمله على العموم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به: كثرة السؤال عن أخبار النَّاس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله فإنَّ ذلك مما يَكْرهه المسئول غالباً، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات (١)، وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يَسْتَحيل وُقُوعها عادةً أو يَنْدُر جداً، وإنَّمَا كرهوا ذلك: لِمَا فيه من التَنَطُّع، والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ. (٢)

وقال ابن عبد البر: قال مالك: أمَّا نَهْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كثرة السؤال، فلا أدري: أهو الذي أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها، أم هو مسألة الناس.

قال ابن عبد البر: الظاهر في لفظ هذا الحديث كراهة السؤال عن المسائل، إذا كان ذلك على الإكثار لا على الحاجة عند نزول النازلة، لأنَّ السؤال في مسألة الناس إذا لم يجز فليس ينهى عن كثرته دون قلته، بل الآثار في ذلك آثار عموم لا تفرق بين القلة والكثرة لمن كره له ذلك. (٣)

قوله: "وَإِضَاعَةَ الْمَالِ"، قال الحافظ ابن حجر: حمله الأكثرون على الإسراف في الإنفاق، وقيَّده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى: أنَّه ما أُنْفِقَ في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية، فَمُنِعَ منه؛ لأنَّ الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح، إمَّا في حق مُضَيِّعِها، وإما في حق غيره، ويُسْتَثْنَى مِن ذلك: كثرة إنفاقه في وجوه البِر لتحصيل ثواب الآخرة مَا لم يُفَوِّت حقاً أُخْرَوياً أهم منه.

والحاصل في كثرة الإنفاق، ثلاثة أوجه: الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعاً، فلا شك في منعه. والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعاً، فلا شك في كونه مطلوباً بالشرط المذكور. والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة، كملاذ النفس، فهذا ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فهذا ليس بإسراف. والثاني: ما لا يليق به عُرفاً، وهو ينقسم أيضا إلى قسمين: أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة، فهذا ليس بإسراف. والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك، فالجمهور على أنه إسراف، وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف، قال لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح، وإذا كان في غير معصية فهو مباح له. قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال. والذي


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٣٦٨٨)، وأبو داود في "سننه" (٣٦٥٦) ك/العلم، ب/التَّوَقِّي فِي الْفُتْيَا، مِن طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ الصُّنَابِحِيّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الغُلُوطَاتِ»، وإسناده ضَعيفٌ، فيه: عبد الله بن سَعْد بن فَرْوَة البَجَلي "مجهولٌ"، يُنظر: "تحرير التقريب" (٣٣٤٩).
(٢) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١٠/ ٤٠٧ - ٤٠٨).
(٣) يُنظر: "الاستذكار" (٢٧/ ٣٦٣)، "التمهيد" (٢١/ ٢٨٩ - ٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>