للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَنْتَفِعُ بِهِ، وَقَدْ أَذْهَبَ مِنْ عُمُرِهِ جُزْءًا فِي طَلَبِهِ؛ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ، هِيَ الَّتِي اقْتَطَعَتْ أَكْثَرَ مَنْ فِي عَصْرِنَا مِنْ طَلَبَةِ الْحَدِيثِ عَنِ التَّفَقُّهِ بِهِ، وَاسْتِنْبَاطِ مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ فَعَلَ مُتَفَقِّهَةُ زَمَانِنَا كَفِعْلِهِمْ، وَسَلَكُوا فِي ذَلِكَ سَبِيلَهُمْ، وَرَغَّبُوا عَنْ سَمَاعِ السُّنَنِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَشَغَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَصَانِيفِ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ ضَيَّعَ مَا يَعْنِيهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَا لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ. (١)

وقَالَ أيضًا - مُعَلِّقًا على كلام النَّخعي -: وَأَكْثَرُ طَالِبِي الْحَدِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَغْلِبُ عَلَى إِرَادَتِهِمْ كُتُبُ الْغَرِيبِ دُونَ الْمَشْهُورِ، وَسَمَاعُ الْمُنْكَرِ دُونَ الْمَعْرُوفِ، وَالِاشْتِغَالُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ السَّهْوُ وَالْخَطَأُ مِنْ رِوَايَاتِ الْمَجْرُوحِينَ وَالضُّعَفَاءِ، حَتَّى لَقَدْ صَارَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ مُجْتَنَبًا، وَالثَّابِتُ مَصْدُوفًا عَنْهُ مُطَّرَحًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِأَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَمَحَلِّهِمْ، وَنُقْصَانِ عِلْمِهِمْ بِالتَّمْيِيزِ، وَزُهْدِهِمْ فِي تَعَلُّمِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأَعْلَامِ مِنْ أَسْلَافِنَا الْمَاضِينَ. (٢)

قال ابن رجب: وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيراً مِمَّن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل "مسند البزار"، و"معاجم الطبراني"، و"أفراد الدارقطني"، وهي مجمع الغرائب والمناكير. (٣)

وعلى الرغم مِمَّا سبق، فإنَّ هناك ضابطًا لتضعيف من يروى هذه الغرائب، قال المعلمي اليماني: وكثرة الغرائب إنما تضر الراوي في أحد حالين: الأولى: أن تكون مع غرابتها مُنْكرة عن شيوخٍ ثِقَاتٍ بأسانيد جيدة. الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب. (٤)

وقال أيضا: ومن كثر حديثه لا بد أن تكون عنده غرائب، وليس ذلك بموجب للضعف، وإنَّما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب مُنْكرة. (٥)

وعليه فإغراب الراوي فى بعض حديث لا يقدح فيه إلا إذا كثر ذلك منه، ووصلت هذه المرويات إلى درجة النكارة، مثل: أن يكون الراوي غير معروف بالطلب وينفرد عن إمامٍ يُجمع حديثه، فمثل هذا إذا كثر منه أثر فيه ولابد.

فرغتُ مِنْ كتابة المقدمة صبيحة يوم السبت، الموافق ٢ جمادى الأولى ١٤٣٦ هـ، ٢١/ ٢/٢٠١٥ م.

وكتبه حامدًا، ومُصَلِّيًا، ومُسَلِّمًا العبد الفقير إلى عفو سيده ومولاه/ محمود السعدني الحُسينيُّ الأزهريُّ

غفر الله له، ولوالديه، ولجميع مشايخه، وجميع المسلمين آمين، والحمد لله رب العالمين.


(١) يُنظر: "شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي (ص/١٢٩).
(٢) نقلاً عن "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (٢/ ٦٢٣).
(٣) يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (٢/ ٦٢٣).
(٤) يُنظر: "التنكيل" (١/ ٣٩٣).
(٥) يُنظر: "التنكيل" (١/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>