للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إحداهما: أنَّ الوعد المذكور مرتب على تمام التجهيز، وهو المراد بقوله: "حَتَّى يَسْتَقِلَّ".

ثانيهما: أنَّه يستوي معه في الأجر إلى أن تنقضي تلك الغزوة.

وأمَّا ما أخرجه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لَحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ: «لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا، وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا» (١)، وفي رواية: ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ: «أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ، كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ» (٢) ففيه: إشارة إلى أن الغازي إذا جهز نفسه، أو قام بكفاية من يخلفه بعده كان له الأجر مرتين.

وقال القرطبي: لفظة "نصف" يشبه أن تكون مُقْحَمَة أي: مزيدة من بعض الرواة. وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الأجر له بغير تضعيف، وأنَّ التضعيف يختص بمن باشر العمل. قال القرطبي: ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين:

أحدهما: أنَّه لا يتناول محل النزاع؛ لأنَّ المطلوب إنَّما هو: أنَّ الدال على الخير مثلاً هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف أو بغير تضعيف، وحديث الباب إنما يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا.

ثانيهما: ما تقدم من احتمال كون لفظة نصف زائدة.

قلت (ابن حجر): ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح. والذي يظهر في توجيهها: أنَّها أُطْلِقَت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير، فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر، فلا تعارض بين الحديثين.

وأمَّا من وُعِدَ بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كانت له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد، وصرف الخبر عن ظاهره يَحتاج إلى مستند، وكأنَّ مستند القائل: أنَّ العامل يباشر المشقة بنفسه، بخلاف الدال ونحوه، لكن مَن يُجهز الغازي بماله مثلاً وكذا من يَخلفه فيمن يترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضاً، فإنَّ الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكفى ذلك العمل، فصار كأنَّه يُبَاشر معه الغزو، بخلاف من اقتصر على النية مثلاً، والله أعلم. أ. هـ (٣)

* * *


(١) أخرجه مسلمٌ (١٨٩٦/ ١) ك/الجهاد، ب/فَضْلِ إِعَانَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَرْكُوبٍ وَغَيْرِهِ، وَخِلَافَتِهِ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ.
(٢) عند مسلم في "صحيحه" (١٨٩٦/ ٤)، في الموضع السابق.
(٣) يُنظر: "فتح الباري" (٦/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>