للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المِرْفَقَيْنِ، وبه يقول سُفْيَانُ، ومالكٌ، وابن المُبَارَكِ، والشَّافعيُّ.

وقد رُوِيَ عن عَمَّارٍ أنَّهُ قال: «تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَنَاكِبِ وَالآبَاطِ» (١) فَضَعَّفَ بعضُ أهل العلم حَدِيثَ عَمَّارٍ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التَّيَمُّمِ للوجه والكفَّيْنِ لمَّا رُوِيَ عنهُ حَدِيثُ المَنَاكِبِ والآبَاطِ.

وقال إسحاقُ بنُ إبراهيم: حديثُ عَمَّارٍ في التَّيَمُّمِ للوجه والكَفَّيْنِ هو حديثٌ صحيحٌ، وحديثُ عَمَّارٍ: «تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَنَاكِبِ وَالآبَاطِ» ليس هُوَ بِمُخَالِفٍ لحديث الوجه والكفَّيْنِ، لأنَّ عمَّارًا لم يَذْكُرْ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بذلك، وإنَّما قال: فَعَلْنَا كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ لمَّا سألَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ بِالوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ، والدَّلِيلُ على ذلك ما أَفْتَى به عَمَّارٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التَّيَمُّمِ أنَّهُ قال: الوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ، ففي هذا دلالةٌ أنَّهُ انْتَهَى إلى ما عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (٢)

وقال ابن عبد البر: أكثر الآثار المرفوعة عن عمَّار في هذا الحديث إنما فيها ضربة واحدة للوجه واليدين، وكل ما يروى في هذا الباب عن عمار مِن ضربتين فمضطرب مختلف فيه، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أن أصح حديث روي عن عمار حديث قتادة عن عزرة. (٣)

وقال الخطابي: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه وللكفين، وهو قول عطاء ومكحول، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وعامة أصحاب الحديث، وهذا المذهب أصح في الرواية. (٤)

وقال الحافظ ابن حجر تحت قول الإمام البخاري: باب التيمم للوجه والكفين: أي هو الواجب المجزئ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما ضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فأما حديث جهيم، فورد بذكر اليدين مجملاً، وأما حديث عمار، فورد بذكر الكفين في "الصحيحين" وبذكر المرفقين في "السنن" وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط، فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع، ففيهما مقال، وأما رواية الآباط، فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل تيمم صح للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعده، فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به، ومما يقوي رواية "الصحيحين" في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمَّار كان يُفتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد. (٥)


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٨٣٢٢ و ١٨٨٨٨ و ١٨٨٩١)، وابن ماجه برقم (٥٦٥ و ٥٦٦) ك/الطهارة، ب/سبب التيمم، وأبو داود في "سننه" (٣٢٠) ك/الطهارة، ب/التيمم، والنَّسائي في "الكبرى" (٢٩٦ و ٢٩٧) ك/الطهارة، ب/التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ.
(٢) يُنظر: "سنن الترمذي" (١/ ٢٦٨ - ٢٧١).
(٣) يُنظر: "التمهيد" (١٩/ ٢٨٧).
(٤) يُنظر: "معالم السنن" (١/ ١٠٠ - ١٠١).
(٥) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٤٤٤ - ٤٤٥). ومن رام المزيد فليُراجع مشكوراً: "فتح الباري" لابن رجب (٢/ ٢٤٥ - ٢٥٩)، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (٢/ ٣١٩ - ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>