للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: وَلَا وَجَدْنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْعًا مِنْ الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ وَجَدْنَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا، وَجَعَلَ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ مُطْلَقًا، فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.

وَالْمِيلُ: هُوَ مَا سُمِّيَ عِنْدَ الْعَرَبِ مِيلًا، وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا عَلَى عُثْمَانَ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ، فَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى

قُلْنَا: قَدْ عَرَفَهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ.

ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْكُمْ قَوْلَكُمْ -: فَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ قَوْلَكُمْ، كَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى؟ وَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى؟ إلَّا أَنَّ هَذَا الْإِلْزَامَ لَازِمٌ لِلطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ لَا لَنَا؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ هَذَا الْإِلْزَامَ حَقًّا، وَمَنْ حَقَّقَ شَيْئًا لَزِمَهُ.

وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُحَقِّقُ هَذَا الْإِلْزَامَ الْفَاسِدَ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا وَسْوَاسٌ وَضَلَالٌ، وَإِنَّمَا حَسْبُنَا اتِّبَاعُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَمَا مِنْ شَرِيعَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا إلَّا قَدْ عَلِمَهَا بَعْضُ السَّلَفِ وَقَالَ بِهَا، وَجَهِلَهَا بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ مِنْ الْعَجَبِ تَرْكَ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْعَظِيمَةِ، وَهِيَ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيُفْطَرُ فِيهِ فِي رَمَضَانَ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>