للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا لَهُمْ: فَلَا تَقْصُرُوا وَلَا تُفْطِرُوا إلَّا فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ، وَلَوْ قُلْتُمُوهُ لَكُنْتُمْ قَدْ خَصَّصْتُمْ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَلَزِمَكُمْ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا أَنْ لَا تَأْخُذَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ إلَّا حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْهَا، وَفِي هَذَا هَدْمُ مَذَاهِبِكُمْ كُلِّهَا، بَلْ فِيهِ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِبَاحَةِ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّينِ كُلِّهِ، إلَّا حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا نَفْسُهُ خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ حَتَّى يَصِحَّ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ، فَيُوقَفُ عِنْدَ مَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُطَاعَ.

قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: ٦٤] وَلَمْ يَبْعَثْهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيُعْصَى حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى طَاعَتِهِ، بَلْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ قَبْلَ أَنْ يُطِيعَهُ أَحَدٌ.

وَقَبْلَ أَنْ يُخَالِفَهُ أَحَدٌ، لَكِنْ سَاعَةَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ، هَذَا مَا لَا يَقُولُ مُسْلِمٌ خِلَافَهُ، حَتَّى نَقَضَ مَنْ نَقَضَ وَالسَّفَرُ: هُوَ الْبُرُوزُ عَنْ مَحَلَّةِ الْإِقَامَةِ، وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ، هَذَا الَّذِي لَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ - الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ - سِوَاهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ إلَّا مَا صَحَّ النَّصُّ بِإِخْرَاجِهِ؟ ثُمَّ وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَرَجَ إلَى الْبَقِيعِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى، وَخَرَجَ إلَى الْفَضَاءِ لِلْغَائِطِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَلَمْ يَقْصُرُوا وَلَا أَفْطَرُوا، وَلَا أَفْطَرَ وَلَا قَصَرَ فَخَرَجَ هَذَا عَنْ أَنْ يُسَمَّى سَفَرًا، وَعَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُوقِعَ اسْمَ سَفَرٍ وَحُكْمَ سَفَرٍ إلَّا عَلَى مَنْ سِمَاهُ مَنْ هُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ سَفَرًا، فَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ.

فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ خَرَجْت مِيلًا لَقَصَرْت الصَّلَاةَ، فَأَوْقَعْنَا اسْمَ السَّفَرِ وَحُكْمَ السَّفَرِ فِي الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ عَلَى الْمِيلِ فَصَاعِدًا، إذْ لَمْ نَجِدْ عَرَبِيًّا وَلَا شَرِيعِيًّا عَالِمًا أَوْقَعَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ اسْمَ سَفَرٍ، وَهَذَا بُرْهَانٌ صَحِيحٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمْ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالَ - كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ - حَدًّا لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، إذْ لَمْ تَجِدُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَصَرَ وَلَا أَفْطَرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>