قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ أَخْرَجُوا حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِمِنًى عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الْأَسْفَارِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرُوا -: أَنْ يَقْصُرَ أَهْلُ مِنًى بِمِنًى وَبِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ لِأَهْلِ مِنًى: أَتِمُّوا؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْحَاضِرَ لَا يَقْصُرُ؟ قِيلَ لَهُمْ: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَسْفَارِ لَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْصُرُونَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى مِنْ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتِلْكَ الْمَسَافَةُ فِي جَمِيعِ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ، إذْ لَيْسَ إلَّا سَفَرٌ أَوْ إقَامَةٌ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ وَلَا فَرْقَ وَقَدْ حَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْمَشَقَّةُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَخْتَلِفُ، فَنَجِدُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ حَتَّى لَا يَبْلُغَهَا إلَّا بِشِقِّ النَّفْسِ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْأَغْلَبَ، وَنَجِدُ مَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ فِي عِمَارِيَّةٍ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ مُرَفَّهًا مَخْدُومًا شَهْرًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، فَبَطَلَ هَذَا التَّحْدِيدُ قَالَ عَلِيٌّ: فَلْنَقُلْ الْآنَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ عَلَى بَيَانِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْصُرُ فِيهِ وَيُفْطِرُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] .
وَقَالَ عُمَرُ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: بَلْ لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا فِي سَفَرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْقَصْرِ فِيهِ وَالْفِطْرِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute