وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا سَافَرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ يَمْشِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِيلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ؟ وَلَوْ سَافَرَ يَوْمًا وَأَقَامَ آخَرَ وَسَافَرَ ثَالِثًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ كَمَا هِيَ.
وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا خَبَرُ الثَّلَاثِ فَقَطْ لَكَانَ الْقَوْلُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ خَرَجَتْ فِي سَفَرٍ مِقْدَارَ قُوَّتِهَا فِيهِ أَنْ لَا تَمْشِيَ إلَّا مِيلَيْنِ مِنْ نَهَارِهَا أَوْ ثَلَاثَةً -: لَمَا حَلَّ، لَهَا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.
فَلَوْ كَانَ مِقْدَارُ قُوَّتِهَا أَنْ تَمْشِيَ خَمْسِينَ مِيلًا كُلَّ يَوْمٍ لَكَانَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَسَافَةَ مِائَةِ مِيلٍ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَكِنْ وَحْدَهَا.
وَاَلَّذِي حَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ مَضْبُوطٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا تَتَعَدَّى، بَلْ بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْمَ سَفَرِ ثَلَاثٍ أَوْ سَفَرِ يَوْمٍ، وَلَا مَزِيدَ؟ وَاَلَّذِي حَدَّدْتُمُوهُ أَنْتُمْ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَفْهُومٍ وَلَا مَضْبُوطٍ أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَظَهَرَ فَرْقُ مَا بَيْنَ قَوْلِكُمْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَبَيَّنَ فَسَادُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَنَّهَا لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا وَلَا لِشَيْءٍ مِنْهَا لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِمَعْقُولٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ حَقٌّ كُلُّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَمُقْتَضَاهَا، مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا خَالَفَ الْحَقَّ، لَا سِيَّمَا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ خُرُوجِ الْمَكِّيِّ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ فَيَقْصُرُ -: وَبَيْنَ سَائِرِ جَمِيعِ بِلَادِ الْأَرْضِ يَخْرُجُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ فَلَا يَقْصُرُونَ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَنْ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ قَبْلَهُ؟ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ: بِمِنًى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute