فَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ تَمْشِيهَا الرِّفَاقُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا - دُونَ سَائِرِهِ - إلَّا بِرَأْيٍ فَاسِدٍ.
وَهَكَذَا يُقَالُ لِمَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، أَوْ بِلَيْلَةٍ، أَوْ بِيَوْمٍ، أَوْ بِيَوْمَيْنِ، وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا الِاعْتِرَاضُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُدْخِلُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِهِ الْمَرْأَةَ أَنْ لَا تُسَافِرَ ثَلَاثًا أَوْ لَيْلَتَيْنِ، أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَفِي تَحْدِيدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْحَ الْمُسَافِرِ ثَلَاثًا وَالْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً؟ قُلْنَا - وَلَا كَرَامَةَ لِقَائِلِ هَذَا مِنْكُمْ -: بَلْ بَيْنَ تَحْدِيدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْدِيدِكُمْ أَعْظَمُ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّكُمْ لَمْ تَكِلُوا الْأَيَّامَ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا - حَدًّا لِمَا يَقْصُرُ فِيهِ وَمَا يُفْطِرُ، أَوْ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ كَذَلِكَ، الَّتِي جَعَلَهَا مِنْكُمْ مَنْ جَعَلَهَا حَدًّا -: إلَى مَشْيِ الْمُسَافِرِ الْمَأْمُورِ بِالْقَصْرِ أَوْ الْفِطْرِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ؟ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ جَعَلَتْ لِذَلِكَ حَدًّا مِنْ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ لَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّكُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَشَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، أَوْ عِشْرِينَ مِيلًا لَا يَقْصُرُ، فَإِنْ مَشَى يَوْمًا وَلَيْلَةً ثَلَاثِينَ مِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ.
وَاتَّفَقْتُمْ أَنَّهُ مَنْ مَشَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ بَرِيدًا غَيْرُ شَيْءٍ أَوْ جَمَعَ ذَلِكَ الْمَشْيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ؟ وَاتَّفَقْتُمْ مَعْشَرَ الْمُمَوِّهِينَ بِذِكْرِ الثَّلَاثِ لَيَالِي فِي الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَشَى مِنْ يَوْمِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِيلًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ.
وَلَوْ لَمْ يَمْشِ إلَّا بَعْضَ يَوْمٍ وَهَذَا مُمْكِنٌ جِدًّا، كَثِيرٌ فِي النَّاسِ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرْأَةَ بِأَنْ لَا تُسَافِرَ ثَلَاثًا أَوْ يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.
وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُسَافِرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ بِالْمَسْحِ ثُمَّ يَخْلَعُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ مَوْكُولَةٌ إلَى حَالَةِ الْمُسَافِرِ وَالْمُسَافِرَةِ، عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي لَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ لَبَيَّنَهُ لِأُمَّتِهِ.
فَلَوْ أَنَّ مُسَافِرَةً خَرَجَتْ تُرِيدُ سَفَرَ مِيلٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَهُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute