للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: نَعَمْ لَمْ نُخَالِفْكُمْ فِي هَذَا، وَلَكِنَّ الْمَائِعَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ حَلَالٌ، فَتَحْرِيمُكُمْ الْحَلَالَ مِنْ أَجْلِ مُمَاسَّتِهِ الْحَرَامَ هُوَ الْبَاطِلُ، إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُطَاعُ أَمْرُهُ، وَلَا يُتَعَدَّى حَدُّهُ، وَلَا يُضَافُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُهْرَقُ كُلُّ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ كَثُرَ أَمْ قَلَّ، وَمَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَوَاتِ أَبَدًا، وَلَا يَغْسِلُ الْإِنَاءَ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ - إلَّا أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ " اغْسِلْهُ " وَقَالَ مَرَّةً " اغْسِلْهُ حَتَّى تُنْقِيَهُ " وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْدِيدًا. وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي أَوْرَدْنَا. وَكَفَى بِهَذَا خَطَأً.

وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ " إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ - قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَالَفَهُ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا أَنَّهُ إنَّمَا رَوَى ذَلِكَ الْخَبَرَ السَّاقِطَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَا مُجَاهَرَةَ أَقْبَحُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ - النُّجُوم الثَّوَاقِب - بِمِثْلِ رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ. وَثَانِيهَا أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ السَّلَامِ - عَلَى تَحْسِينِهَا إنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَحْصُلُوا إلَّا عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ وَخِلَافِ مَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّبَعُوا وَلَا أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ قَلَّدُوا. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَا حَلَّ أَنْ يُعْتَرَضَ بِذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ، لِأَنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَنْسَى مَا رَوَى وَقَدْ يَتَأَوَّلُ فِيهِ، وَالْوَاجِبُ إذَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا أَنْ يُضَعَّفَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنْ يُغَلَّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنْ نُضَعِّفَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُغَلِّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ، فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَحِلُّ. وَرَابِعُهَا أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ مَا رَوَى - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - فَقَدْ رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ ابْنُ مُغَفَّلٍ، وَلَمْ يُخَالِفْ مَا رَوَى.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا كَانَ هَذَا إذْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَلَمَّا نَهَى عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ ذَلِكَ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ لِوَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى فَاضِحَةٌ بِلَا دَلِيلٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>