فَقِيلَ لَهُمْ: وَلَا رَأَيْتُمْ قَطُّ مَأْمُومًا يَتْرُكُ صَلَاةَ إمَامِهِ وَيَمْضِي إلَى شُغْلِهِ وَيَقِفُ بُرْهَةً طَوِيلَةً بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ إمَامِهِ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: بِهَذَا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا قِيَاسٍ، ثُمَّ تَعِيبُونَ مِنْ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ لَا سِيَّمَا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَضَاءِ الطَّائِفَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا بِقِرَاءَةٍ وَالْأُخْرَى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، فَمَا عُرِفَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا يُؤَيِّدُهُ رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلَا قِيَاسٌ؟ وَمِنْهَا قَوْلٌ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ اللُّؤْلُؤِيِّ، وَهُوَ: أَنْ لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] .
قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ النِّكَاحَ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّلَاةَ جَالِسًا كَذَلِكَ -: لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ قَوْلَهُ هَهُنَا؟ وَمِنْهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ: أَنَّ تَكْبِيرَتَيْنِ فَقَطْ تُجْزِئَانِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ، وَمُجَاهِدٍ: تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ
وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْف تَقُولُونَ بِصَلَاةِ الْخَوْفُ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّةً، لَمْ يُصَلِّ بِنَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» ؟ قُلْنَا: هَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَشَدَّ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَكُمْ: مِنْ أَيْنَ كَانَ لَكُمْ بِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ صَلَّاهَا؟ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ بِهَذَا حَنَفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا؟ لِأَنَّ اخْتِيَارَ هَاتَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَيْف وَهَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ؟ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَهُوَ مُدَلِّسٌ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute