للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعًا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] . وَ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: ٢٢٩] .

وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرَ مُتَشَاغِلٍ بِهَا فَجَازَ كُلُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ السَّعْيِ إلَى الصَّلَاةِ.

فَظَهَرَ تَنَاقُضُ قَوْلِ مَالِكٍ وَفَسَادُهُ فَإِنْ كَانَ جَعَلَ عِلَّةَ كُلِّ ذَلِكَ: التَّشَاغُلَ، سَأَلْنَاهُمْ عَمَّنْ لَمْ يَتَشَاغَلْ؟ بَلْ بَاعَ أَوْ أَنْكَحَ، أَوْ أَجَرَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الْجُمُعَةِ، أَوْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: يُفْسَخُ، فَبَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِالتَّشَاغُلِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّلُوا بِالتَّشَاغُلِ فَقَدْ قَاسُوا عَلَى غَيْرِ عِلَّةٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: بِالْقِيَاسِ، فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: النِّكَاحُ بَيْعٌ، قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بَيْعًا وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ: فَنَكَحَ أَوْ أَجَرَ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَحْنَثُ وَاعْتَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّشَاغُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ فَقَطْ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَقَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى خَطَأِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَنِّهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣] .

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمُوهُ؟ فَإِنْ ادَّعَيْتُمْ ضَرُورَةً كَذَبْتُمْ، لِأَنَّنَا غَيْرُ مُضْطَرِّينَ إلَى عِلْمِ ذَلِكَ، وَالطَّبِيعَةُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ادَّعَوْا دَلِيلًا سُئِلُوهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الظَّنُّ وَقَالُوا: نَحْنُ مَنْهِيُّونَ عَنْ الْبَيْعِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ بَاعَ امْرُؤٌ فِي صَلَاتِهِ: نَفَذَ الْبَيْعُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: إنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَمْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>