جِلْدَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَلَمْ تَزَلْ تَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى بَلِيَ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - فِي جُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تَمُوتُ فَتُدْبَغُ: إنَّهَا تُبَاعُ وَتُلْبَسُ. وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ فِيهَا. وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْمَيْتَةِ: دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا، وَأَبَاحَ الزُّهْرِيُّ جُلُودَ النُّمُورِ، وَاحْتَجَّ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ وَعِظَامُهَا وَعَصَبُهَا وَعَقِبُهَا وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَوَبَرُهَا وَقَرْنُهَا لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَالصَّلَاةُ فِي جِلْدِهَا إذَا دُبِغَ جَائِزٌ، أَيَّ جِلْدٍ كَانَ حَاشَا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ، وَلَا يُصَلَّى فِي شَيْءٍ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ دُبِغَتْ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهَا، أَيَّ جِلْدٍ كَانَ، وَلَا يُسْتَقَى فِيهَا، لَكِنَّ جُلُودَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا دُبِغَتْ جَازَ الْقُعُودُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُغَرْبَلَ عَلَيْهَا، وَكَرِهَ الِاسْتِقَاءَ فِيهَا بِآخِرَةٍ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَهُ. وَرَأَى جُلُودَ السِّبَاعِ إذَا دُبِغَتْ مُبَاحَةً لِلْجُلُوسِ وَالْغَرْبَلَةِ. وَلَمْ يَرَ جِلْدَ الْحِمَارِ وَإِنْ دُبِغَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَمْ يَرَ اسْتِعْمَالَ قَرْنِ الْمَيْتَةِ وَلَا سِنَّهَا وَلَا ظِلْفِهَا وَلَا رِيشِهَا. وَأَبَاحَ صُوفَ الْمَيْتَةِ وَشَعْرَهَا وَوَبَرَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيٍّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ أَيَّ جِلْدٍ كَانَ. إلَّا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ.
وَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لَا صُوفٌ وَلَا شَعْرٌ وَلَا وَبَرٌ وَلَا عَظْمٌ وَلَا قَرْنٌ وَلَا - سِنٌّ وَلَا رِيشٌ. إلَّا الْجِلْدَ وَحْدَهُ فَقَطْ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا إبَاحَةُ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَظْمَ وَالْعَقِبَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَثَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَا «أَلَّا نَنْتَفِعَ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» وَجَاءَ الْخَبَرُ بِإِبَاحَةِ الْإِهَابِ إذَا دُبِغَ، فَبَقِيَ الْعَصَبُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَالْعَقِبُ عَصَبٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالْمَيْتَاتِ وَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ مُحَرَّمٌ، وَلَا نَعْلَمُ هَذِهِ التَّفَارِيقَ وَلَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَيْنَ جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَخَطَأٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ كَمَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَلَا فَرْقَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute