وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَبْشٍ مَيِّتٍ وَبَيْنَ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي التَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ فَرْقُهُ بَيْنَ جِلْدِ الْحِمَارِ وَجِلْدِ السِّبَاعِ خَطَأٌ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ جَاءَ فِي السِّبَاعِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَمِيرِ وَلَا فَرْقَ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يُجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِ الْفَرَسِ إذَا دُبِغَ، وَلَحْمُهُ إذَا ذُكِّيَ حَلَالٌ بِالنَّصِّ، وَيُجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِ السَّبُعِ إذَا دُبِغَ، وَهُوَ حَرَامٌ لَا تُعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ بِالنَّصِّ، وَكَذَلِكَ مَنْعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا إذَا دُبِغَتْ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِلَا نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَجِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ حَرَامٌ سَوَاءٌ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» أَنَّ مَعْنَاهُ عَادَ إلَى طَهَارَتِهِ خَطَأٌ، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ طَهُرَ، وَلَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ فَهُوَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ كُلُّهُ لَا قَبْلَ الدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّ عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ الشَّعْرَ وَالرِّيشَ وَالْوَبَرَ وَالصُّوفَ، فَلَمْ يَأْمُرْ بِإِزَالَةِ ذَلِكَ وَلَا أَبَاحَ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ بَعْضُ الْمَيْتَةِ حَرَامٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ لَيْسَ مَيْتَةً، فَهُوَ حَلَالٌ حَاشَا أَكْلَهُ، وَإِذْ هُوَ حَلَالٌ فَلِبَاسُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الِانْتِفَاعِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أُزِيلَ ذَلِكَ عَنْ الْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ حَرَامٌ، إذْ لَا يَدْخُلُ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ أُزِيلَ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَقَدْ طَهُرَ، فَهُوَ حَلَالٌ بَعْدُ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ حَاشَا أَكْلَهُ فَقَطْ.
وَأَمَّا الْعَظْمُ وَالرِّيشُ وَالْقَرْنُ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ بَعْضُ الْحَيِّ، وَالْحَيُّ مُبَاحٌ مِلْكُهُ وَبَيْعُهُ إلَّا مَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ، وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَ الْمَيْتَةِ، وَبَعْضُ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ، فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالِانْتِفَاعُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» فَأَبَاحَ مَا عَدَا ذَلِكَ إلَّا مَا حُرِّمَ بِاسْمِهِ مِنْ بَيْعِهَا وَالِادِّهَانِ بِشُحُومِهَا، وَمِنْ عَصَبِهَا وَلَحْمِهَا.
وَأَمَّا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ وَعَظْمُهُ فَحَرَامٌ كُلُّهُ، لَا يَحِلُّ أَنْ يُتَمَلَّكَ وَلَا أَنْ يُنْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute