فَسَقَطَ عَنَّا هَذَا الْخَبَرُ، لَبُطْلَانِ سَنَدِهِ؟
ثُمَّ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ وَمُخَالَفَتُهُمْ إيَّاهُ فِي إيجَابِ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَهُ الْمَرْءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَذِهِ عَظِيمَةٌ لَا يَرْضَى بِهَا ذُو دِينٍ
فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ " فِي الْجَاهِلِيَّةِ " أَيْ أَيَّامِ ظُهُورِ الْجَاهِلِيَّةِ بَعْدَ إسْلَامِهِ؟ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ هَذَا: إنْ كُنْت تَقُولُ هَذَا قَاطِعًا بِهِ فَأَنْتَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ، لِقَطْعِك بِمَا لَا دَلِيلَ لَك عَلَيْهِ، وَلَا وَجَدْت قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَإِنْ كُنْت تَقُولُهُ ظَنًّا، فَإِنَّ الْحَقَائِقَ لَا تُتْرَكُ بِالظُّنُونِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ كَذِبُ هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ «نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا أَسْلَمْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أُوفِيَ بِنَذْرِي» .
وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لَا كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ الذَّاهِبِ فِي الرِّيَاحِ؟ فَهَلْ سَمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَزَالُونَ يَأْتُونَ بِالْخَبَرِ يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مَنْ لَا يُصَحِّحُهُ فِيمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لِذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِيمَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ -: فَكَيْفَ يَصْعَدُ مَعَ هَذَا عَمَلٌ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ، فَعَادَ خَبَرُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا، وَلَوْ صَحَّ، وَرَأَيْنَاهُ حُجَّةً لَقُلْنَا: بِهِ
وَمَوَّهُوا بِأَنَّ هَذَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ.
فَقُلْنَا: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَصَحَّ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يَقُولُ: إنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا اعْتِكَافٌ، فَسَأَلْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute