وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: اعْتَكَفَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ حِرَاءَ، وَثَبِيرٍ، فَكُنَّا نَأْتِيهَا هُنَالِكَ.
فَخَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا أَيْضًا، وَهَذَا عَجَبٌ وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا اعْتَكَفَ ضَرَبَ فُسْطَاطًا، أَوْ خِبَاءً يَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهُ، وَلَا يُظِلُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ؟
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ حُجَّةً فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ، وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي أَنَّهُ كَانَ إذَا اعْتَكَفَ لَا يُظِلُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ؟
فَصَحَّ أَنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا يُمَوِّهُونَ بِذِكْرِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ إيهَامًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَافِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوَافِقْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ حُجَّةً إلَّا إذَا وَافَقَتْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فَقَطْ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ.
فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ، لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَمِنْ الْهَوَسِ قَوْلُهُمْ: لَمَّا كَانَ الِاعْتِكَافُ لُبْثًا فِي مَوْضِعٍ: أَشْبَهَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَا يَصِحُّ إلَّا مُحْرِمًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الصَّوْمُ.
فَقِيلَ لَهُمْ: لَمَّا كَانَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا اعْتِكَافُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ، فَلَا يَخْلُو صَوْمُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِرَمَضَانَ خَالِصًا - وَكَذَلِكَ هُوَ - فَحَصَلَ الِاعْتِكَافُ مُجَرَّدًا عَنْ صَوْمٍ يَكُونُ مِنْ شَرْطِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْتَجْ الِاعْتِكَافُ إلَى صَوْمٍ يَنْوِي بِهِ الِاعْتِكَافَ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ مِنْ شُرُوطِ الِاعْتِكَافِ وَصَحَّ أَنَّهُ جَائِزٌ بِلَا صَوْمٍ، وَهَذَا بُرْهَانُ مَا قَدَرُوا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute