اعْتِرَاضِهِ إلَّا بِوَسَاوِسَ لَا تُعْقَلُ.
وَلَوْ قَالُوا: إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَامَ لِلِاعْتِكَافِ لَا لِرَمَضَانَ، أَوْ لِرَمَضَانَ، وَالِاعْتِكَافِ - لَمْ يَبْعُدُوا عَنْ الِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَيْضًا: فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ بِاللَّيْلِ كَهُوَ بِالنَّهَارِ، وَلَا صَوْمَ بِاللَّيْلِ، فَصَحَّ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَوْمٍ.
فَقَالَ مُهْلِكُوهُمْ هَهُنَا: إنَّمَا كَانَ الِاعْتِكَافُ بِاللَّيْلِ تَبَعًا لِلنَّهَارِ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ إنَّمَا كَانَ بِالنَّهَارِ تَبَعًا لِلَّيْلِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ.
فَقَالُوا: إنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الِاعْتِكَافَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ صَوْمٍ. فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَلَمَّا كَانَ الِاعْتِكَافُ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ صَوْمٌ يَنْوِي بِهِ الِاعْتِكَافَ صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِ، وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَا مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ صَوْمٌ، وَقَدْ جَاءَ نَصٌّ صَحِيحٌ بِقَوْلِنَا؟
كَأَنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ، قَالَتْ: وَإِنَّهُ أَرَادَ مَرَّةً أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، قَالَتْ: فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَمَرْتُ بِبِنَائِي فَضُرِبَ، وَأَمَرَ غَيْرِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَائِهِنَّ فَضُرِبَ، فَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ نَظَرَ إلَى الْأَبْنِيَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟ فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَقُوِّضَ، وَأَمَرَ أَزْوَاجَهُ بِأَبْنِيَتِهِنَّ فَقَوَّضْنَ ثُمَّ أَخَّرَ الِاعْتِكَافَ إلَى الْعَشْرِ الْأُوَلِ، يَعْنِي مِنْ شَوَّالٍ»
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ وَفِيهَا يَوْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute