للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِنْفَانِ بِلَا شَكٍّ وَقَدْ يَسْتَحِيلُ الْعَصِيرُ خَمْرًا، وَيَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ خَلًّا، وَهِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ بِلَا خِلَافٍ؛ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ بُرْهَانٌ مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ مَعْقُولٍ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَحَالَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ؛ فَهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ؛ وَلَكِنْ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقَعَ حُكْمٌ وَرَدَ فِي اسْمِ صِنْفٍ مَا عَلَى مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُوقَعَ عَلَى غَيْرِ السَّارِقِ حُكْمُ السَّارِقِ، وَعَلَى غَيْرِ الْغُنْمِ حُكْمُ الْغَنَمِ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ أَثَرًا لَا يَصِحُّ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «إنَّ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ قَمْحُهُ وَسُلْتُهُ وَشَعِيرُهُ فِيمَا سُقِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالرِّشَاءِ نِصْفُ الْعُشْرِ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لَا تُسْنَدُ، وَقَدْ خَالَفَ خُصُومُنَا أَكْثَرَ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ حَدَّ حَدًّا فَاسِدًا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ؛ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ.

وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَاسَ عَلَى الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ كُلَّ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ خُبْزٌ أَوْ عَصِيدَةٌ، وَلَمْ يَقِسْ عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ كُلَّ مَا يَتَقَوَّتُ مِنْ الثِّمَارِ، فَإِنَّ الْبَلُّوطَ وَالتِّينَ وَالْقَسْطَلَ وَجَوْزَ الْهِنْد أَقْوَى وَأَشْهَرَ فِي التَّقَوُّتِ مِنْ الزَّبِيبِ بِلَا شَكٍّ؛ فَمَا عَلِمَنَا بَلَدًا يَكُونُ قُوتُ أَهْلِهِ الزَّبِيبُ صِرْفًا، وَنَعْلَمُ بِلَادًا لَيْسَ قُوتُهَا إلَّا الْقَسْطَلَ، وَجَوْزَ الْهِنْدِ وَالتِّينَ صِرْفًا؛ وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>