للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بِذَلِكَ قَبْلَهُمَا، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ أَيْضًا جُمْلَةً.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِالْقُرْآنِ، وَلَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْقَصَبَ، وَالْحَشِيشَ وَوَرَقَ الثِّمَارِ كُلِّهَا، وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِمَا احْتَجَّ بِهِ، بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، مَعَ خِلَافِهِ لِلسُّنَّةِ.

فَخَرَجَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الْجَوَازِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُنَا، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَحْتَجُّونَ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ.

فَوَجَدْنَا الْآيَةَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَا لِوُجُوهٍ -:

أَحَدُهَا: أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالزَّكَاةُ مَدَنِيَّةٌ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ أُنْزِلَتْ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ: نَعَمْ هِيَ مَكِّيَّةٌ؛ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ وَحْدَهَا، فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا، وَتَخْصِيصٍ بِلَا دَلِيلٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ. لِأَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ زَعَمَ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ ثَابِت بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ إذْ جَذَّ ثَمَرَتَهُ فَتَصَدَّقَ مِنْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَا الزَّكَاةُ.

وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى فِيهَا: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] .

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ إيتَاؤُهَا يَوْمَ الْحَصَادِ؛ لَكِنْ فِي الزَّرْعِ بَعْدَ الْحَصَادِ، وَالدَّرْسِ وَالذَّرْوِ وَالْكَيْلِ، وَفِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْكَيْلِ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الزَّكَاةُ الَّتِي لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَمَا ذَكَرْنَا.

وَالثَّالِثُ: قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا: {وَلا تُسْرِفُوا} [الأنعام: ١٤١] وَلَا سَرَفَ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مَحْدُودَةٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا حَبَّةٌ وَلَا تُزَادُ أُخْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>