للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ مَعْقُولٍ وَجَدُوا أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهِيَ سَاقِطَةٌ. وَهَلْ يَقُولُ هَذَا مَنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ التَّمْيِيزِ. وَهَلْ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ - لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ - فَرْقٌ، وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُذْكَرَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَدَ بِهَذَا الْخَبَرِ ذِكْرَ مَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَرَضِينَ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَهُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ سَائِرِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِهَا.

وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ انْتَظَمَ ذِكْرَ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا، نَعَمْ، وَلَا سُورَةٌ أَيْضًا.

وَإِنَّمَا قَصَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِنْذَارَ بِخَلَاءِ أَيْدِي الْمُفْتَتِحِينَ لِهَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ أَخْذِ طَعَامِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَدَنَانِيرِهَا فَقَطْ؛ وَقَدْ ظَهَرَ مَا أَنْذَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا زَعَمُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَرْبَابُ أَرَاضِي الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ مُسْلِمِينَ؛ فَمَنْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا وَمِنْ الْمَانِعِ مَا ذَكَرَ مَنْعَهُ.

هَذَا تَخْصِيصٌ مِنْهُمْ بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ، وَلَوْ قِيلَ لَهُمْ: بَلْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْخَرَاجِ وَبُطْلَانِهِ، إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا خَرَاجٌ لَذَكَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَالْعَجَبُ أَيْضًا إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ فَأَسْقَطُوا فَرْضَيْنِ مِنْ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ بِرَأْيِ صَاحِبٍ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.

وَخَالَفُوا ذَلِكَ الصَّاحِبَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الْجِزْيَةِ مَعَ الْخَرَاجِ؛ فَمَرَّةً يَكُونُ فِعْلُهُ حُجَّةً يُخَالِفُ بِهَا الْقُرْآنَ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ، فَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَطُّ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ وَمَرَّةً لَا يَرَوْنَهُ حُجَّةً أَصْلًا وَمَعَهُ الْحَقُّ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْخَرَاجِ قِيلَ لَهُمْ: وَالصَّحَابَةُ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَرَاجِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ بِلَا شَكٍّ؛ وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ إيجَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ إذَا مَلَكَهَا، وَإِسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَإِيجَابُهُ الزَّكَاةَ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا مَلَكَا أَرْضَ الْعُشْرِ، وَإِسْقَاطُ الْخَرَاجِ عَنْهُمَا وَفَاعِلُ هَذَا مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>