قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، مَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صِحَاحٌ ثَابِتَةُ لَا مَغْمَزَ فِيهَا. وَكُلُّهَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَكُلُّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ.
فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَقْوَالُهُمْ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَا كُلِّهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ.
أَمَّا حَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ خَالَفُوهُ جِهَارًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَسْلِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، فَقَالُوا هُمْ: لَا بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلٍ هُمْ أَوَّلُ مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ فَتَرَكُوا مَا فِيهِ وَادَّعَوْا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَأَخْطَئُوا مَرَّتَيْنِ.
أَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ: لَا يُهْرَقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَاءً - فَخَالَفَ الْحَدِيثَ أَيْضًا عَلَانِيَةً - وَهُوَ وَأَصْحَابُهُ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يُتَعَدَّى بِهِ إلَى سِوَاهُ وَأَنَّهُ لَا يُقَاسُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ، وَصَدَقُوا فِي ذَلِكَ إذْ مَنْ ادَّعَى خِلَافَ هَذَا فَقَدْ زَادَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنْ الْمَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ فَلَا يُهْرَقُ وَلَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَيْرَ الْمَاءِ أُهْرِقَ بَالِغًا مَا بَلَغَ. هَذَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلًا لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، فَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ وَزَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أُهْرِقَ وَغُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْلًا، وَقَالَ: إنْ وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ خِنْزِيرٌ كَانَ فِي حُكْمِهِ حُكْمَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ: يُغْسَلُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ. قَالَ فَإِنْ وَلَغَ فِيهِ سَبُعٌ لَمْ يُغْسَلْ أَصْلًا وَلَا أُهْرِقَ. فَقَاسَ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ، وَلَمْ يَقِسْ السِّبَاعَ عَلَى الْكَلْبِ - وَهُوَ بَعْضُهَا - وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْكَلْبُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ. فَقَدْ ظَهَرَ خِلَافُ أَقْوَالِهِمْ لِهَذَا الْخَبَرِ وَمُوَافَقَتُنَا نَحْنُ لِمَا فِيهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا، وَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَبُطْلَانُهُ، وَأَنَّهُ دَعَاوَى لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فِيمَنْ «اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ فَيَغْسِلُ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهٍ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ» ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ، وَقَائِلُونَ إنَّ هَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِهِ. وَقُلْنَا نَحْنُ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ إنَّ النَّجَاسَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute