للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي قَبُولِ الْمَاءِ لَهَا وَفَرَّقُوا بِهَا بَيْنَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ وَبَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُزَالُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جِهَارًا، لِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الْإِنَاءِ بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي الْآخَرِ تَطْهِيرَ الْيَدِ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا فِي النَّجَاسَاتِ، وَلَوْ كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ دَلِيلَيْنِ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُسْتَعْمَلًا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَاتِ، فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ مَا ظُنَّتْ بِهِ النَّجَاسَةُ مِنْ الْيَدِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ، وَإِذَا تُيُقِّنَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا اُكْتُفِيَ فِي إزَالَتِهَا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهَذَا قَوْلُهُمْ الَّذِي لَا شُنْعَةَ أَشْنَعُ مِنْهُ، وَهُمْ يَدَّعُونَ إنْفَاذَ حُكْمِ الْعُقُولِ فِي قِيَاسَاتِهِمْ، وَلَا حُكْمَ أَشَدُّ مُنَافَرَةً لِلْعَقْلِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقُلْنَا: هُوَ الْحَقُّ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ إطْرَاحُهُ وَالرَّغْبَةُ عَنْهُ، وَأَنْ نُوقِنَ بِأَنَّهُ الْبَاطِلُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْمُتَنَبِّهِ بِغَسْلِ الْيَدِ ثَلَاثًا خَوْفَ أَنْ تَقَعَ عَلَى نَجَاسَةٍ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ رِجْلُهُ فِي ذَلِكَ كَيَدِهِ وَلَكَانَ بَاطِنُ فَخْذَيْهِ وَبَاطِنُ أَلْيَتَيْهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ يَدِهِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَمُوَافِقٌ لَنَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ أَيْضًا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً، وَصَحَّ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَصَحَّ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لَا يُجْعَلَانِ أَصْلًا لِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَأَلَّا يُقَاسَ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ عَلَى حُكْمِهِمَا، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِمَا. وَأَمَّا حَدِيثُ نَهْيِ الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ يَغْتَسِلَ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ أَيْضًا. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمَاءُ بِرْكَةً إذَا حُرِّكَ طَرَفُهَا الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ طَرَفُهَا الْآخَرُ. فَإِنَّهُ لَوْ بَالَ فِيهَا مَا شَاءَ أَنْ يَبُولَ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَيَغْتَسِلَ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَلَا أَنْ يَغْتَسِلَ فَزَادَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْبَائِلِ، وَخَالَفَ الْحَدِيثَ فِيمَا فِيهِ بِإِبَاحَتِهِ - فِي بَعْضِ أَحْوَالِ كَثْرَةِ الْمَاءِ وَقِلَّتِهِ - لِلْبَائِلِ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَاءِ إذَا كَانَ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ فَخَالَفَ الْحَدِيثَ كَمَا خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزَادَ فِيهِ كَمَا زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَخَالَفَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>