للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّهُ. قَالَ: إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِبَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ، وَقَالَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ إذَا كَانَ كَثِيرًا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً لِمُخَالَفَتِهِمْ لَهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَأَخَذْنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ أَبَاحُوا الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَقْرَبُوهُ» وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْآثَارِ وَصَحَّ خِلَافُهُمْ لَهَا، وَأَنَّهَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْآثَارِ إنْ كَانَتْ لَا تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ وَمَا فَائِدَتُهَا؟ قُلْنَا: مَعْنَاهَا مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهَا، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَوِّلَ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ، فَكَيْفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ. وَأَمَّا فَائِدَتُهَا فَهِيَ أَعْظَمُ فَائِدَةٍ، وَهِيَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِالطَّاعَةِ لَهَا، وَلِيَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا. أُوِّلَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُدَّ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا - حَدًّا بَيْنَ مَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ وَبَيْنَ مَا لَا يَقْبَلُهَا لَمَا أَهْمَلَ أَنْ يَحُدَّهَا لَنَا بِحَدٍّ ظَاهِرٍ لَا يُحِيلُ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُوجَبُ عَلَى الْمَرْءِ وَيُوَكَّلُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَتْ كُلُّ قُلَّتَيْنِ - صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا - حَدًّا فِي ذَلِكَ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: الْقُلَّةُ الْقَامَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ - عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ لَهُمْ تَأْوِيلَهُمْ الْفَاسِدَ - لِأَنَّ الْبِئْرَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَامَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ تُنَجَّسُ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ حَدُّهُ فِي الْقُلَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ حَدِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ فَسَّرَ الْقُلَّتَيْنِ بِغَيْرِ تَفْسِيرِهِ وَكُلُّ قَوْلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِهَذَا الْخَبَرِ حَقًّا وَنَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ وَلَمْ يَقْبَلْ الْخَبَثَ وَالْقُلَّتَانِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اسْمُ قُلَّتَيْنِ، صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقُلَّةَ الَّتِي تَسَعُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ مَاءٍ تُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ قُلَّةً. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِقِلَالِ هَجَرَ أَصْلًا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ بِهَجَرَ قِلَالًا صِغَارًا وَكِبَارًا. فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ذَكَرَ قِلَالَ هَجَرَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَتَى مَا ذَكَرَ قُلَّةً فَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، وَلَيْسَ تَفْسِيرُ ابْنِ جُرَيْجٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>