قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالزَّيْتُ دُهْنٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ: قَالَ تَعَالَى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: ٢٠] وَقَدْ رَأَى مَالِكٌ غَسْلَ الزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ، ثُمَّ يُؤْكَلُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي النُّقْطَةِ مِنْ الْخَمْرِ تَقَعُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ يُشْرَبُ وَذَلِكَ الطَّعَامَ يُؤْكَلُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ: أَنْتُمْ تُخَالِفُونَ بَيْنَ أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ فِي الشِّدَّةِ وَالْخِفَّةِ بِآرَائِكُمْ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ، فَبَعْضُهَا عِنْدَكُمْ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارٌ أَكْبَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ وَرُبَّمَا قَلَّ، وَبَعْضُهَا لَا يُنَجِّسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَّا مَا كَانَ رُبُعَ الثَّوْبِ، وَلَا نَدْرِي مَا قَوْلُكُمْ فِي الْجَسَدِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْأَرْضِ، وَبَعْضُهَا تُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَبَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الْبِئْرِ، فَتَقُولُونَ: إنَّ قَطْرَةَ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ تُنَجِّسُ الْبِئْرَ وَلَا تُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَلَا الْجَسَدَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، فَأَخْبِرُونَا عَنْ غَدِيرٍ إذَا حُرِّكَ طَرَفُهُ الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الْآخَرُ وَقَعَتْ فِيهِ نُقْطَةُ بَوْلِ كَلْبٍ أَوْ نُقْطَةُ بَوْلِ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةٌ مَيِّتَةٌ أَوْ فِيلٌ مَيِّتٌ مُتَفَسِّخٌ، هَلْ كُلُّ هَذَا سَوَاءٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ سَاوَوْا بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي تَغْلِيظِ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ إنَّ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الْإِبِلِ أَوْ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ لَا تُنَجِّسُ الْبِئْرَ، وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ سَأَلْنَاهُمْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي السُّخْرِيَةِ وَالتَّخْلِيطِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالُوا لَنَا: مَا قَوْلُكُمْ فِي خَمْرٍ أَوْ دَمٍ أَوْ بَوْلٍ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ، هَلْ صَارَ الْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَالدَّمُ مَاءً؟ أَمْ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ؟ فَإِنْ كَانَ صَارَ كُلُّ ذَلِكَ مَاءً فَكَيْفَ هَذَا؟ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ فَقَدْ أَبَحْتُمْ الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ وَالدَّمَ، وَهَذَا عَظِيمٌ وَخِلَافٌ لِلْإِسْلَامِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute