للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ الْعَالَمِ كُلَّهُ جَوْهَرَةٌ وَاحِدَةٌ تَخْتَلِفُ أَبْعَاضُهَا بِأَعْرَاضِهَا وَبِصِفَاتِهَا فَقَطْ. وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ صِفَاتِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَالَمَ تَخْتَلِفُ أَسْمَاءُ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا تَقَعُ أَحْكَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدِّيَانَةِ. وَعَلَيْهَا يَقَعُ التَّخَاطُبُ وَالتَّفَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، فَالْعِنَبُ عِنَبٌ وَلَيْسَ زَبِيبًا، وَالزَّبِيبُ لَيْسَ عِنَبًا، وَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَيْسَ عِنَبًا وَلَا خَمْرًا، وَالْخَمْرُ لَيْسَ عَصِيرًا، وَالْخَلُّ لَيْسَ خَمْرًا، وَأَحْكَامُ كُلِّ ذَلِكَ فِي الدِّيَانَةِ تَخْتَلِفُ وَالْعَيْنُ الْحَامِلَةُ وَاحِدَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَهُ صِفَاتٌ، مِنْهَا يَقُومُ حَدُّهُ، فَمَا دَامَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَهِيَ مَاءٌ وَلَهُ حُكْمُ الْمَاءِ.

فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ تَكُنْ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ صِفَاتٌ مَا دَامَتْ فِيهِ فَهُوَ خَمْرٌ لَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ، أَوْ دَمٌ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ، أَوْ بَوْلٌ لَهُ حُكْمُ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْعَيْنُ خَمْرًا وَلَا مَاءً وَلَا دَمًا وَلَا بَوْلًا وَلَا الشَّيْءَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الِاسْمُ وَاقِعًا مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ، فَإِذَا سَقَطَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي الْخَلِّ أَوْ فِي اللَّبَنِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ بَطَلَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا سُمِّيَ الدَّمُ دَمًا وَالْخَمْرُ خَمْرًا وَالْبَوْلُ بَوْلًا، وَبَقِيَتْ صِفَاتُ الشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا بِحَسَبِهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ الْجِرْمُ الْوَاقِعُ يُعَدُّ خَمْرًا وَلَا دَمًا وَلَا بَوْلًا، بَلْ هُوَ مَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ لَبَنٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ غَلَبَ الْوَاقِعُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبَقِيَتْ صِفَاتُهُ بِحَسَبِهَا وَبَطَلَتْ صِفَاتُ الْمَاءِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الْخَلِّ، فَلَيْسَ هُوَ مَاءً بَعْدُ وَلَا خَلًّا وَلَا لَبَنًا، بَلْ هُوَ بَوْلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ خَمْرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ دَمٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ بَقِيَتْ صِفَاتُ الْوَاقِعِ وَلَمْ تَبْطُلْ صِفَاتُ مَا وَقَعَ فَهُوَ فِيهِ مَاءٌ وَخَمْرٌ، أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ، أَوْ مَاءٌ وَدَمٌ، أَوْ لَبَنٌ وَبَوْلٌ، أَوْ دَمٌ وَخَلٌّ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا اسْتِعْمَالُ الْحَلَالِ مِنْ ذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُ مِنْ الْحَرَامِ، لَكِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ فَعَجَزْنَا عَنْهُ فَقَطْ، وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ حَلَالٌ بِحَسَبِهِ كَمَا كَانَ. وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ فَالدَّمُ يَسْتَحِيلُ لَحْمًا، فَهُوَ حِينَئِذٍ لَحْمٌ وَلَيْسَ دَمًا، وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّحْمُ يَسْتَحِيلُ شَحْمًا فَلَيْسَ لَحْمًا بَعْدُ بَلْ هُوَ شَحْمٌ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ.

وَالزِّبْلُ وَالْبِرَازُ وَالْبَوْلُ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ يَسْتَحِيلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي النَّخْلَةِ وَرَقًا وَرُطَبًا، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ زِبْلًا وَلَا تُرَابًا وَلَا مَاءً، بَلْ هُوَ رُطَبٌ حَلَالٌ طَيِّبٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>