وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إبَاحَةُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ.
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ، وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ.
وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَقْبِيلِ الصَّائِمِ امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: مَا أُبَالِي أَقَبَّلْتهَا، أَوْ قَبَّلْت يَدِي؟ فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَعَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَحُذَيْفَةُ، وَمَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا إلَّا وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ إبَاحَتُهَا بِأَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ؛ إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ، وَرُوِيَتْ الْإِبَاحَةُ جُمْلَةً عَنْ سَعْدٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَاتِكَةَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ لِمَنْ غَلَّبَ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَثَرِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الصِّيَامِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَجِّ؛ وَيَجْعَلَ فِيهَا صَدَقَةً كَمَا جَعَلَ فِيهَا هُنَالِكَ؛ وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
وَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ: مُسْتَحَبَّتَانِ فِي الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ الصَّائِمُ فِي امْرَأَتِهِ عَنْ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ -: فَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ الْإِمْنَاءَ فِي الْمُبَاشَرَةِ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ لَمْ يَأْتِ بِكَرَاهِيَتِهِ نَصٌّ وَلَا وَإِجْمَاعٌ، فَكَيْف إبْطَالُ الصَّوْمِ بِهِ، فَكَيْف أَنْ تُشْرَعَ فِيهِ كَفَّارَةٌ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَ ذَلِكَ - مِنْ أَنَّهُ خِلَافٌ لِلسُّنَّةِ - فَسَادَ قَوْلِ مَنْ رَأَى الصَّوْمَ يُنْتَقَضُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ، يَقُولُونَ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ؛ وَأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَذْيٌ، وَلَا مَنِيٌّ، لَا تَنْقُضُ الصَّوْمَ؛ وَأَنَّ الْإِنْعَاظَ دُونَ مُبَاشَرَةٍ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ أَصْلًا؛ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إذَا اجْتَمَعَتْ أَنْ تَنْقُضَ الصَّوْمَ؟ هَذَا بَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا، لَا مِنْ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَأَمَّا تَوْلِيدُ الْكَذِبِ وَالدَّعَاوَى بِالْمُكَابَرَةِ، فَمَا يَعْجِزُ عَنْهَا مَنْ لَا دِينَ لَهُ.
وَمَا رُئِيَ قَطُّ حَلَالٌ وَحَلَالٌ يَجْتَمِعَانِ فَيَحْرُمَانِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَبِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ نَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُجْمَعَانِ، ثُمَّ حَكَمُوا بِهِ هَاهُنَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute