الصَّلَاةَ عَامِدًا ذَاكِرًا لَهَا: - فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا؟ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِتَرْكِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ؟ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ؛ وَالشَّافِعِيُّونَ: صَوْمُهُ تَامٌّ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ تَعَمُّدَ الْمَعْصِيَةِ يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَلَا مَعْصِيَةَ أَعْظَمُ مِنْ تَعَمُّدِ تَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا؟ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ؟ فَقَالَ: أَفْطِرْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ إذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا قَالَ: فَجِئْت إلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَفْتَانِي بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَئِنْ أَفْطَرْتَ لَأُوجِعَنَّ مَتْنَكَ، صُمْ، فَإِنْ بَدَا لَكَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ فَافْعَلْ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْقَارِئَ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، مَا أَنَا قُلْتُ: مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ، مُحَمَّدٌ - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ - قَالَهُ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ عَابَ مَنْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: إنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ بِهِ، وَإِنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ قُوَّةٌ زَائِدَةٌ لِلْخَبَرِ، أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ وَالْفَضْلُ رَوَيَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا نَدْرِي إلَى مَا أَشَارَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ؟ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إلَّا نِسْبَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْكَذِبِ، وَالْمُعْتَرِضُ بِذَلِكَ أَحَقُّ بِالْكَذِبِ مِنْهُ؟ وَكَذَلِكَ عَارَضَ قَوْمٌ - لَا يُحَصِّلُونَ مَا يَقُولُونَ - هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ رَوَتَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ النَّهَارَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute