قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقْضِي الْمَجْنُونُ، وَيَقْضِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُنَّا نَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَبْطُلُ صَوْمُهُمَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ. وَنَقُولُ: إنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»
وَكُنَّا نَقُولُ: إذَا رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِصَوْمٍ وَلَا بِصَلَاةٍ. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْخَبَرَ - بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى يَعْقِلَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ صَوْمِهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ، وَلَا عَوْدَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى، فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يَكُونُ مُفْطِرًا بِجُنُونِهِ؛ لَكِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَقَدْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ؛ فَإِنْ أَفَاقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِي يَوْمٍ بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ حِينِهِ وَيَكُونُ صَائِمًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، أَوْ مَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ يَوْمُ نَذْرِهِ أَوْ فَرْضِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ مَنْ نَامَ، أَوْ سَكِرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ وَلَا صَحَا إلَّا مِنْ الْغَدِ وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ، أَوْ أَقَلُّهُ. وَوَجَدْنَا الْمَجْنُونَ لَا يُبْطِلُ جُنُونُهُ إيمَانَهُ، وَلَا أَيْمَانَهُ وَلَا نِكَاحَهُ وَلَا طَلَاقَهُ، وَلَا ظِهَارَهُ وَلَا إيلَاءَهُ، وَلَا حَجَّهُ، وَلَا إحْرَامَهُ وَلَا بَيْعَهُ، وَلَا هِبَتَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ، وَلَا خِلَافَتَهُ إنْ كَانَ خَلِيفَةً، وَلَا إمَارَتَهُ إنْ كَانَ أَمِيرًا وَلَا وِلَايَتَهُ وَلَا وَكَالَتَهُ، وَلَا تَوْكِيلَهُ، وَلَا كُفْرَهُ، وَلَا فِسْقَهُ، وَلَا عَدَالَتَهُ، وَلَا وَصَايَاهُ، وَلَا اعْتِكَافَهُ، وَلَا سَفَرَهُ، وَلَا إقَامَتَهُ، وَلَا مِلْكَهُ، وَلَا نَذْرَهُ، وَلَا حِنْثَهُ، وَلَا حُكْمَ الْعَامِّ فِي الزَّكَاةِ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute