للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجَدْنَا ذُهُولَهُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يَذْهَلُ الْإِنْسَانُ عَنْ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا وَلَا صَائِمًا؛ فَيَأْكُلَ، وَيَشْرَبَ، وَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ وَلَا صَلَاتُهُ، بِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَا يُبْطِلُ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ إلَّا مَا يُبْطِلُ النَّوْمُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُكْرَهَ عَلَى الْفِطْرِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمُكْرَهُ مَغْلُوبَانِ مُكْرَهَانِ مُضْطَرَّانِ بِقَدَرٍ غَالِبٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَصَابَهُمَا، فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ صَوْمَهُمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ جُنَّ؛ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ صَوْمُهُ بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ؛ فَلَا يَجُوزُ بُطْلَانُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ؛ وَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَهَذَا لَمْ يَكُنْ - قَطُّ - مُخَاطَبًا، وَلَا لَزِمَتْهُ الشَّرَائِعُ، وَلَا الْأَحْكَامُ وَلَمْ يَزَلْ مَرْفُوعًا عَنْهُ الْقَلَمُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمٍ - أَصْلًا؛ بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ: فَإِذَا عَقَلَ فَحِينَئِذٍ ابْتَدَأَ الْخِطَابُ بِلُزُومِهِ إيَّاهُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ فِي لَيْلَةِ رَمَضَانَ وَكَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَصَحَا بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ النَّهَارِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ - أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ -: فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَلَيْسَ السُّكْرُ مَعْصِيَةً، إنَّمَا الْمَعْصِيَةُ شُرْبُ مَا يُسْكِرُ سَوَاءٌ سَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ فُتِحَ فَمُهُ أَوْ أُمْسِكَتْ يَدُهُ وَجَسَدُهُ وَصُبَّ الْخَمْرُ فِي حَلْقِهِ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِسُكْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مَا يُسْكِرُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَالسُّكْرُ لَيْسَ هُوَ فِعْلُهُ، إنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْهَى الْمَرْءُ عَنْ فِعْلِهِ، لَا عَنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا فِي النَّهَارِ وَلَا فَرْقَ؛ أَوْ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ لَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَصَوْمُهُ تَامٌّ. وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ، أَوْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُفِقْ وَلَا صَحَا وَلَا انْتَبَهَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا وَالْغَدَ كُلَّهُ إلَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ -: أَيَقْضِيهِ أَمْ لَا؟ . فَوَجَدْنَا الْقَضَاءَ إيجَابَ شَرْعٍ؛ وَالشَّرْعُ لَا يَجِبُ إلَّا بِنَصٍّ، فَلَا نَجِدُ إيجَابَ الْقَضَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>