وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْخَيْطَيْنِ الْأَسْوَدِ، وَالْأَبْيَضِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَأَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى أَذَانِهِ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْأَكْلَ مُبَاحٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِمُرِيدِ الصَّوْمِ طُلُوعُهُ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧] وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَحَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُقَارِبَةِ، مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] إنَّمَا مَعْنَاهُ فَإِذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَائِلُ هَذَا مُسْتَسْهِلٌ لِلْكَذِبِ عَلَى الْقُرْآنِ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلٌ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ؛ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَكَانَ بِلَالُ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعًا لَا يُؤَذِّنَانِ إلَّا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٤] فَإِقْحَامُهُمْ فِيهِ: أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ فَإِذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ -: بَاطِلٌ وَكَذِبٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ يَجُوزُ لَهُ الرَّجْعَةُ إلَّا عِنْدَ مُقَارَبَةِ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ؛ وَلَا يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ؛ بَلْ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَبُلُوغُ أَجَلِهِنَّ هُوَ بُلُوغُهُنَّ أَجَلَ الْعِدَّةِ، لَيْسَ هُوَ انْقِضَاءَهَا، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ فِي أَجَلِ الْعِدَّةِ كُلِّهِ فَلِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ، وَلَهُ الطَّلَاقُ؛ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ: اكْلَأْ لَنَا الْفَجْرَ» مُوجِبٌ لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ إلَّا لِلصَّلَاةِ، لَا لِلصَّوْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute