للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْلًا؛ وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهَا بِلَا شَكٍّ أَسْفَارَ الطَّاعَاتِ؛ وَهَذَا مِمَّا أَوْهَمُوا فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَأَمَّا مَا دُونَ الْمِيلِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ؛ فَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ وَلَا الْقَصْرُ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنْ أَرَادَ مِيلًا فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ هِيَ غَيْرُ السَّفَرِ؛ وَقَدْ يَنْوِي السَّفَرَ مَنْ لَا يُسَافِرُ، وَقَدْ يُسَافِرُ مَنْ لَا يَنْوِي السَّفَرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي مَنْزِلِهِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: إذْ يُفَارِقُ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: تَرْكُ الْقَصْرِ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَكَانَ هَذَا هُوَ النَّظَرُ لَوْلَا حَدِيثُ أَنَسٍ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ» فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ نَصٍّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: يَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ فَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي سَفَرٍ، وَفِي حَضَرٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِأَيَّامٍ أُخَرَ حَضَرًا مِنْ سَفَرٍ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ كُلَّهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِطْرِ وَلَا يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>