للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَذُوا بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَأَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثٍ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَا الثَّلَاثُ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلًا إلَّا كَتَعَلُّقِ الزُّهْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بِذِكْرِ اللَّيْلَتَيْنِ فِيهِ وَلَا فَرْقَ. وَمَا لَهُمْ بَعْدَ هَذَا حِيلَةٌ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ، فَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ الرُّعَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَأَفْطَرَ فِي مَخْرَجِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ، وَرَأَى الْقَصْرَ فِي مِنًى مِنْ مَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَكَذَلِكَ رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمُتَأَوِّلِ وَلَا فَرْقَ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَأَوْا لِمَنْ سَافَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَنْ يُفْطِرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ؛ فَإِنْ رَجَعَ لِشَيْءٍ أُوجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ السَّفَرِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ، فَقَدْ أَوْجَبُوا الْفِطْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ، وَيُغْنِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ.

وَوَجَدْنَا مَا دُونَ الْمِيلِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعُدُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ، وَلَمْ نَجِدْ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ قَوْلًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَاللُّغَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَلَّقَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ بِحَدِيثِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ» أَنْ لَا يَرَى الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِي سَفَرٍ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبِحْ لَهَا بِلَا خِلَافٍ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>