وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ وَهُوَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ. وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَطَاوُسٍ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِيمَنْ مَنَعَهُ الْعُطَاشُ مِنْ الصَّوْمِ: أَنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ لِهَرَمِهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ، وَلَمْ يَرَهُ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ. وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ عَلَى الْمُرْضِعِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْحَامِلِ وَلَا الشَّيْخِ الْكَبِيرِ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أُبِيحَ لَهُمْ الْفِطْرُ دُونَ إطْعَامٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّيْخُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ، لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ كَمَا أُبِيحَ لَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنْفُسِهِمَا؛ وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ؛ فَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا: عَلِيًّا، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَيْسَ بْنَ السَّائِبِ؛ وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَخَالَفُوا: عِكْرِمَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءً، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا (وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ) فَقِرَاءَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا عَنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلْيَقْرَأْ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَحَاشَ اللَّهَ أَنْ يُطَوِّقَ الشَّيْخَ مَا لَا يُطِيقُهُ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَسْخُ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي بَابِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ قَطُّ فِي الشَّيْخِ، وَلَا فِي الْحَامِلِ، وَلَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute