وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُمْ يُصَرِّفُونَ هَذِهِ الْآيَةَ تَصْرِيفَ الْأَفْعَالِ فِي غَيْرِ مَا أُنْزِلَتْ فِيهِ، فَمَرَّةً يَحْتَجُّونَ بِهَا فِي أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ، وَمَرَّةً يُصَرِّفُونَهَا فِي الْحَامِلِ، وَالْمُرْضِعِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَكُلُّ هَذَا إحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْتَجِيزُ - مَنْ يَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ - مِثْلَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَفِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ؟ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ الْإِطْعَامَ عَلَيْهِ وَاجِبًا ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَرَّةً كَقَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ، وَجَرِيرٍ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا (وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٌ) يُكَلَّفُونَهُ وَلَا يُطِيقُونَهُ.
قَالَ: هَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ الْهَرِمَةُ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِثْلَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ: إنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ - إذْ كَبِرَ - فَكَانَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، قَالَ قَتَادَةُ: الْوَاحِدُ كَفَّارَةٌ، وَالثَّلَاثَةُ تَطَوُّعٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] هُوَ الْكَبِيرُ الَّذِي عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ، وَالْحُبْلَى يَشُقُّ عَلَيْهَا الصَّوْمُ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ.
وَعَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالْعَجُوزِ: أَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute