وَبِالْإِطْعَامِ، وَبِالْعِتْقِ، فَلَا الْقُرْآنَ اتَّبَعُوا، وَلَا بِالسُّنَنِ أَخَذُوا وَلَا الْقِيَاسَ عَرَفُوا، وَشُغِلُوا فِي ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ -: مِنْهَا: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] . وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: عِلْمٌ عَلَّمَهُ، أَوْ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَبِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ، وَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ»
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُمَا رَوَيَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ - أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا الصِّيَامَ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ اسْمُهَا عَمْرَةُ: أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَقْضِيه عَنْهَا؟ قَالَتْ: لَا، بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ. وَإِذَا تَرَكَ الصَّاحِبُ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إذْ لَوْ تَعَمَّدَ مَا رَوَاهُ لَكَانَتْ جُرْحَةً فِيهِ، وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. وَقَالُوا: لَا يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لَا يُصَلَّى عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَهُوَ كُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَحَقٌّ إلَّا أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] . وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] . وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠] . فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى، وَمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لَهُ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَالصَّوْمُ عَنْهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: إنْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ، أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ، فَأَجْرُ كُلِّ ذَلِكَ لَهُ وَلَا حَقَّ بِهِ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute