للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: إنَّمَا يُحَجُّ عَنْهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى؟ قُلْنَا لَهُ: فَقُولُوا: بِأَنْ يُصَامَ عَنْهُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى. فَإِنْ قَالُوا: لِلْمَالِ فِي الْحَجِّ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ؟ قُلْنَا: وَلِلْمَالِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالْعِتْقِ وَالِاطِّعَامِ؛ وَكُلُّ هَذَا مِنْهُمْ تَخْلِيطٌ، وَتَنَاقُضٌ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ يُجِيزُونَ الْعِتْقَ عَنْهُ، وَالصَّدَقَةَ عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ .

وَأَمَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، فَصَحِيحٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا الْفَضِيحَةَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ قَالَ لَهُمْ: إنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ هُوَ عَمَلُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَأْتُوا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا انْقِطَاعُ عَمَلِ الْمَيِّتِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعُ عَمَلِ غَيْرِهِ أَصْلًا، وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَظَهَرَ قُبْحُ تَمْوِيهِهِمْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً؟ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ فَسَادِهَا لِعِلَلٍ ثَلَاثٍ فِيهِ: إحْدَاهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ فِيهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ، وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ كَذَّابٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ الْإِطْعَامِ عَنْهُ إنْ صَحَّ بَعْدَ أَنْ مَرِضَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِهِ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَزِدْتُمْ فِي الْخَبَرِ خِلَافَ مَا فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ «إنْ مَاتَ وَلَمْ يَصِحَّ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ» فَلَوْ أَرَادَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ تَمَادِي مَرَضِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ، وَبَيْنَ صِحَّتِهِ بَيْنَ مَرَضِهِ وَمَوْتِهِ فَيُطْعَمُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ عِنْدَهُمْ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْهَالِكِ وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ رَوَيَا الْخَبَرَ وَتَرَكَاهُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا قَالُوا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رِوَايَةِ الصَّاحِبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَفْتَرِضْ عَلَيْنَا قَطُّ اتِّبَاعَ رَأْيِ أَحَدِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>